للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرتكب مستصعبات القوافى، ويطير فى القريض مطار ذوى القوادم الباسقة والخوافى» ولقبه يحيى بن خلدون بشاعر المائة السابعة الدّباج الذى لا نظير له، ويقول محققه إنه «يمتاز فى شعره على الخصوص بظاهرتين: الجانب القصصى وغرابة الألفاظ، وقلّ من شعراء القرن السابع من يضارعه فى قوة العارضة وخصب القريحة وفيض الخاطر وطول النفس، وندر من يماثله فى سلاسة المبانى وسلاسة المعانى». والقصص عنده قصص تاريخى ولذلك يحتاج قارؤه فى فهم بعض اشعاره إلى الرجوع للمصادر التاريخية، وكان يكلف بالغريب قائلا فى بعض شعره:

ما ذاق طعم بلاغة ... من ليس للوحشىّ ماضغ

ولم يكن يعممه فى أشعاره، وكأنما كان يريد باستظهاره أحيانا العودة إلى الصياغة الشعرية القديمة إمعانا فى العروبة. ولم يكن يفزع إلى الغريب دائما إنما كان يفزع إليه فى مخاطبة بنى العزفى وابن الحكيم لما عرفوا به هم ومجالسوهم من اتساع الثقافة اللغوية. ومن أشعاره فى بنى العزفى خائية طنانة استهلها برثاء تلمسان وما أصابها من حصار السلطان يوسف المرينى منذ سنة ٦٩٨ وتعطل معاهد أنسه بها، ويلوم بنى زيان لتشتيتهم له ولأمثاله ممن نصحوهم بالدخول فى طاعة المرينيين حتى يفكوا عنهم هذا الحصار الذى طال أمده، ويخرج إلى مدح سبتة وبنى العزفى منشدا:

تركت لمينا سبتة كلّ نجعة ... كما تركت للعزّ أهضابها الشمخ (١)

وآليت أن لا أرتوى غير مائها ... ولو حلّ لى فى غيره المنّ والمذخ (٢)

فأملاكها الصّيد المقاولة الألى ... لعزّهم تعنو الطّراخمة البلخ (٣)

كواكب هدى فى سماء رياسة ... تضيء فما يدجو ضلال ولا يطخو (٤)

بنو العزفيّين الألى من صدورهم ... وأيديهم تملا القراطيس والطّرخ (٥)

رياسة أخيار وملك أفاضل ... كرام لهم فى كلّ صالحة رضخ (٦)

وهو يقول إنه ترك لميناء سبتة كل ما يرجى من نجعة ومعروف، كما تركت للعز وديانها الشامخة، وآلى أن لا يرتوى بغير مائها حتى لو عرض له فى غيرها عسل المن المذكور فى القرآن وعسل الرمان، فحسبه أن ينعم بلقاء ملوكها العظام الذين يخضع لهم الأشراف المزهوون، وإنهم لكواكب هدى فما يظلم ضلال ولا يعتم، علماء أجلاء تمتلئ القراطيس والطوامير


(١) النجعة: المعروف والكلأ. أهضابها: هضباتها. الشمخ: العالية.
(٢) المن والمذخ: نوعان من العسل.
(٣) الصيد المقاولة: السادة العظام. تعنو: تذل. الطراخمة البلخ: الأشراف المتكبرون.
(٤) يطخو: يظلم.
(٥) الطرخ: القطعة من الخوص، ويريد الطوامير لأنها كانت تصنع من ورق البردى.
(٦) رضخ: عطاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>