وإن انتسبت فإنّنى من دوحة ... تتفيّأ الأنساب برد ظلالها
من حمير من ذى رعين من ذرا ... حجر من العظماء من أقيالها (١)
ولد بتلمسان سنة ٦٥٠ هـ/١٣٥٣ م أو قبلها بقليل، وبها كان منشؤه ومرباه، ولا نعلم شيئا عن أسرته وأكبر الظن أنه كان من أسرة متواضعة، وقد أقبل على حلقات العلماء ينهل منها، وسرعان ما عرف بين أقرانه بذكائه. وتتفتح موهبته الأدبية، ويصبح من كتاب ديوان الإنشاء فى عهد السلطان التلمسانى يغمراسن ثم فى عهد ابنه أبى سعيد عثمان (٦٨١ - ٧٠٣ هـ) وقد التقى بالعبدرى الرحالة وأكثر العبدرى من مجالسته ورواية أشعاره فى رحلته وأثنى عليه. وحدث فى أواخر عهد هذا السلطان سنة ٦٩٨ أن حاصر السلطان يوسف بن عبد الحق المرينى تلمسان ومات سلطانها أبو سعيد فى أثناء الحصار كمدا سنة ٧٠٣ هـ/١٣٠٤ م. ونجد ابن خميس يغادر تلمسان فى نفس السنة إلى سبتة على مضيق جبل طارق، ويستظهر ناشر الديوان ومحققه المقدم له الأستاذ عبد الوهاب بن منصور أن يكون ذلك بسبب نصيحة قدمها ابن خميس إلى أولى الأمر التلمسانيين بالدخول فى طاعة المرينيين مما أوغر صدورهم عليه وجعلهم يفكرون فى قتله، وأحس بذلك ففر عن تلمسان، وهو ينشد:
وأغروا بنفسى طلاّبها ... سرارا فجاءوا لقتلى صراحا
فشاورت نفسى فى ذا فما ... رأت لى بغير الفلاة فلاحا
وقد فرّ ابن خميس إلى الفلاة ثم إلى سبتة وأمرائها من أسرة بنى العزفى فرحبوا به وأغدقوا عليه من نوالهم وأغدق عليهم من مدائحه، وكان قد عزم على الإقامة بها وإقراء طلابها، غير أن بعض الماكرين من شيوخها دسّوا عليه أسئلة نحوية على لسان الطلاب فلم يعجبه المقام بها، وجاز الزقاق إلى مالقة بالأندلس فغرناطة أواخر سنة ٧٠٣ وكان يحكمها حينئذ الأمير محمد الثالث (٧٠١ - ٧٠٨ هـ) ووزيره أبو عبد الله بن الحكيم وكان أديبا وراعيا للأدباء من أمثال عبد المهيمن الحضرمى وأبى العباس العزفى فما إن وفد عليه ابن خميس حتى ألحقه بمجلسه وأسبغ عليه عطاياه، وأخذ ابن خميس يضفى عليه مدائحه، وجال فى المرية وغير المرية بعض جولات غير أن استقراره كان فى غرناطه بجوار راعيه ابن الحكيم، ويقال إنه كان يقرئ فيها العربية مع ملازمته لمجالس ابن الحكيم، وحين دبّر خصوم الوزير لمقتله وقتلوه قتلوا معه شاعره ابن خميس يوم عيد الفطر مستهل شوال سنة ٧٠٨ هـ/١٣٠٩ م.
ويعد ابن خميس أهم شعراء المائة السابعة فى الجزائر بل فى المغرب عامة، وفيه يقول لسان الدين بن الخطيب إنه «فحل الأوان فى المطول وأقدر الناس على اجتلاب الغريب» ويقول ابن خاتمة: «كان-رحمه الله-من فحول الشعراء وأعلام البلغاء، يصرّف العويص،
(١) حجر ذى رعين: قبيلة يمنية. أقيالها: أمراؤها وملوكها.