للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستفتح الصوت بتصفيقه اس‍ ... تفتاح ذات الطّار فى شعرها (١)

فبلبل البلبل فى غصنه ... وأرّق الورقاء فى وكرها (٢)

كأنما توّج ياقوتة ... واتخذ الشّنفين من شطرها (٣)

كأنما يخطر فى حلّة ... من عدنىّ الوشى لم يشرها

وهو يقول إن الديك هبّ للطير يريد أن ينافسه بما يعرف من خبره وتجربته فنصّ جيده ورفعه ورقى منبرا فى دار صاحبته وما عوّد من مسكنها، واستفتح الصوت بتصفيق جناحيه وتحريكهما كما تستفتح صاحبة الطار الضرب عليه تقدمة لما توقع عليه من أشعار. وما إن رفع الديك صوته وصياحه حتى اضطرب البلبل فى غصنه وألمت به الوساوس، وحتى أرّق الحمامة فى وكرها، لحسن ما يسمعان من صياحه، ويخيّل لمن يراه كأنما توّج ياقوتة ناصعة الاحمرار. وسقط منها لأذنيه قرطين بديعين، وإنه ليخطر ويتبختر فى حلة مزركشة كأنها صنعت من وشى عدن، غير أنه لم يشرها، إذ هى منحة إلهية منحها فى خلقه. ويقول فى وصف حمام:

يجتاب أردية السّحاب بخافق ... كالبرق أومض فى السحاب فأبرقا

لو سابق الريح الجنوب لغاية ... يوما لجاءك مثلها أو أسبقا

يستقرب الأرض البسيطة مذهبا ... والأفق والسّقف الرفيعة مرتقى

ويظلّ يسترقى السماء بخافق ... فى الجوّ تحسبه الشهاب المحرقا

يبدو فيعجب من يراه لحسنه ... وتكاد آية عتقه أن تنطقا

مترقرق من حيث درت كأنما ... لبس الزجاجة أو تجلبب زئبقا

وهو يقول إن الحمام لا يزال يقطع بخافقه أو جناحه أردية السحاب رداء وراء رداء، وكأنه برق يومض ويبرق ويلمع للناظرين، ولو سابق الريح لغاية أو مقصد ما تأخر عنها بل ربما سبقها، وهو يعيش فى الأرض ويتخذها مسكنا ومأوى ومع ذلك يرتقى ويصعد إلى الآفاق والسقف العليا، ويظل مصعدا بجناحه فى السماء حتى ليظنّ أنه شهاب فيها سيسقط على الأرض، ويقترب ممن يراه فيعجب بحسنه وتكاد آية عتقه أن تنطق بجمال منظره، ويقول إنه مترقرق متلألئ أينما درت ببصرك حوله ظننت كأنما تدور حول زجاج درّىّ أو حول زئبق رجراج بهىّ. ويعلق ابن رشيق على هذه الأبيات بقوله: «لا أعرف أحدا وصف الحمام بمثل هذه الصفة».


(١) تصفيفه: تحريك جناحيه.
(٢) بلبل حيّر.
(٣) الشنفين: القرطين.

<<  <  ج: ص:  >  >>