وهو يقول إن فؤاده منقاد إلى ربه مذلّل لحبه، وليس له-إذا لجّ العذول اللائم-جماح عنه ولا انفكاك منه، بل إنه ليتمنى أن يطير طيرانا إلى الذات العلية غير أن ريشه حصّ وجناحه قصّ، يكنى بذلك عن أنه مقصر فى نسكه، ويقول إنه طال نأى الله عنه وينوح ويسمع نواح الكون وصياحه من كل جانب مشاركة له فى وجده وما يجد فى غرامه بربه. ويذكر أنه خرس عن الشكوى لمحبوبه مهابة وحياء، وهو يذوب حبا وغراما، ويعجب أنه أسير، ويناشد ربه أن لا يسرّحه ولا يرد إليه حريته، بل يظل فى أسره. ويذكر أنه حين يهز أرباب السماع للشعر الصوفى تواجد، فإنه يظل من بينهم يرسل الزفرات والصيحات هائما بحب ربه، ويقول إننى سأظل واقفا بعتبة الباب سواء منّ الله عليه بالقبول أو حرمه وطرده، ولن يبرحها أبدا، ومن قوله فى إحدى قصائده:
غرامى دعانى والعذول نهانى ... فوجد وعذل كيف يجتمعان
أما علما أنى على الشّحط والنّوى ... مقيم وأنى والهوى أخوان
يقولان لى: من ذا دعاك لما نرى؟ ... فقلت دعانى حبّه فدعانى
أعلّل نفسى بالسلوّ تعلّلا ... وتلك أمان ما بهنّ أمانى
إذا خفق البرق اليمانى بأفقكم ... أقابل ذاك الخفق بالخفقان
رعى الله جيران العذيب وأهله ... وإن أترعونى من هوى وهوان
لئن حجبوا عن ناظرى فكأنهم ... لقلبى يراهم فيه رأى عيان
وهو يقول إن غرامه بحب الذات العلية يدعوه للاستغراق فيه، بينما يلومنى عذول، والعذول والوجد أو الهيام لا يجتمعان، ويقول إنه ملازم للحب فى النأى والبعد، وإنه والهوى أخوان فكيف يظن أحد أنهما سيفترقان، ويقول له صاحباه: ما الذى دعاك لما نرى؟ فأجابهم دعانى حبه ودعانى أو اتركانى، ويذكر أنه يعلل نفسه أحيانا بالسلو، ولكن أنّى له. ويتحدث كشاعر عذرى فيقول إنّي إذا خفق البرق اليمانى بأفقكم خفق قلبى معه، ويدعو لجيران العذيب فى نجد وأهله أن يرعاهم الله وإن ملئوه من شراب الهوى والهوان ما ملئوه، ويقول إنهم إن غابوا عن ناظرى فإن قلبى يراهم متجسدين فيه رأى عيان. ويستمر منشدا:
أورّى بسلع والعذيب وحاجر ... وتلك مغان ما لهن معانى
وأذكر سكان العذيب تستّرا ... وما ذكر سكان العذيب بشانى
ولكن بقلبى من هو الحبّ كله ... ومن ذكره فى خاطرى ولسانى
حبيب إذا لاحظت لم أر غيره ... على أنه إذ لا أراه يرانى
ومن فضله وجدى به وتولّهى ... ومن جوده ما أشتكى وأعانى
وطرت على حبّى له وكأنما ... برانى لمعنى الحب حين برانى