الشريعة، وكان حسن القيام على تفسير القرآن مذكرا، وعقد له حلقات مدة فانتفع به خلق كثير، وكان واعظا ولوعظه تأثير كبير فى سامعيه. وظل يعظ الناس طويلا بمسجد مقبرة زقلو فى سبتة، وولى القضاء بها سنة ٦٥٤ هـ/١٢٥٧ م وظل يليه محمود السيرة مشهورا بالعدل إلى نهاية عمره سنة ٦٦١ هـ/١٢٦٣ م. وكان شاعرا، وتعمقته النزعة الصوفية، وله فيها غير قصيدة، من ذلك قوله فى إحدى قصائده:
[هل يبرح] العشق قلبا أنت مطلبه ... أو يذهب الشوق روحا أنت مذهبه
وكيف يرجو وصالا من تبعّده ... أو كيف يخشى بعادا من تقرّبه
يا من أناجيه والأشواق توهمنى ... نيل الوصال كأنّ الشوق يوجبه
كم طيبة لك بالألطاف توجدها ... عند اللقا وفنائى فيك أطيبه
ومنّة الجود تدنيه فتؤنسه ... وخشية الردّ تقصيه فتحجبه
مناى أنت وحسبى أن تكون منى ... يا واهبا رغباتى قبل أرغبه
كن كيف شئت فما لى عنك منصرف ... فالعبد ليس سوى مولاه مطلبه
وهو يقول إن حبه للذات العلية لن يبرح فؤاده لأنه مطلب قلبه وأمنيته. ولن يذهب الشوق روحا، الله مذهبه وعقيدته. فحبه لربه لن يفارقه أبدا، ويتجه إليه مخاطبا كيف يرجو الوصل من تبعّده، بل كيف يخشى البعد من تقرّبه. ويقول إنه يناجيه، وتوهمه أشواقه أنه سينيله الوصل كأن مجرد الشوق يوجبه، ويعترف بأنه ينثر عليه كثيرا من الأشياء الطيبة، ويقول إن أطيب ما تفضل به ربه عليه فناؤه فيه، فهو يفنى بحبه فى الذات الإلهية، ودائما تقرّبه من ربه منحة الجود، فيشعر بأنس لا حد له، وفى الوقت نفسه يخشى الرد وأن يقصيه فيحجبه عنه، ويقول إن ربه مناه وحسبه أن يكون أمنيته أو مطلبه. ويذكر أن الله دائما يحقق له رغباته حتى قبل أن يفكر فيها، ويقول سواء قبله أو رفضه فليس له منصرف عنه، إذ هو عبده الذى يطلب القرب من مولاه دائما أبدا. ويقول فى قصيدة أخرى:
فؤادى منقاد إليكم مذلّل ... ومالى-إذا لجّ العذول-جماح
وهل من سبيل أن أطير إليكم ... وقد حصّ بى ريش وقصّ جناح (١)
وأوحشتم فالكلّ فى الأذن نائح ... لدىّ وآفاق الوجود فساح
خرست عن الشكوى إليكم مهابة ... وألسن حالى بالغرام فصاح
ويا عجبا أنى أسير وأننى ... أناشدكم أن لا يتاح سراح
إذا هزّ أرباب السماع تواجد ... فحظى منه زفرة وصياح
وها أنا عند الباب منّوا أو اطردوا ... فما لى عنه-كيف كان-براح
(١) حصّ: حلق ونتف.