أحذية سوداء فلما استردّها إسماعيل نزعوا تلك الأحذية من أقدامهم وعادوا إلى لبس نعالهم الصفراء المغربية. وفى سنة ١١٠٤ هـ/١٦٩٢ م طرد إسماعيل الإسبان من مدينتى أصيلا والعرائش، وبذلك استرد للمغرب الأقصى ساحل المحيط جميعه وصدقت فراسة المغاربة للالتفاف حول أسرة علوية شريفة لإنقاذ المغرب الأقصى مما دهاه من كوارث مفجعة. وحاول السلطان إسماعيل فتح سبتة ومليلة وحاصر سبتة طويلا يريد أخذها من يد الإسبان ولكنهم ثبتوا فيها يعاونهم أسطولهم فى البحر وقربها من ديارهم.
وتوفى-كما أسلفنا-سنة ١١٣٩ هـ/١٧٢٧ م وتلاه عهد اضطرابات وفتن لتنازع أبنائه على الحكم وتدخل الجيش وأخذ يختل الأمن وينتشر الفساد وتشيع الفوضى وتسوء حالة البلاد الاقتصادية واستمر ذلك نحو ثلاثين عاما إلى أن أنقذ البلاد حفيد للسلطان إسماعيل، هو محمد بن عبد الله الذى خلف أباه سنة ١١٧١ هـ/١٧٥٧ م وكان قد أظهر فى عهد أبيه قدرة سياسية حين عينه حاكما لمنطقتى مراكش وآسفى فى دكالة، ثم عينه قائدا فنظم الجيش وأقرّ الأمن فى السوس، وتابع بعد استيلائه على صولجان الحكم نشر الأمن فى ربوع البلاد، وتجوّل فيها متفقدا لشئونها وحصّن المدن الكبرى والثغور وشيّد بهما الأبراج والحصون وزوّدهما بالمدافع والقوات العسكرية لحفظ الأمن والنظام فى أنحاء البلاد، وعنى بالأسطول فأمدّه بكل ما يلزمه من عتاد حربى، وأضاف إليه طائفة من السفن، وأمر أن يواصل البحارة والجنود فيه تدريبات ومناورات منتظمة على المتوسط والزقاق والمحيط. وكان البرتغاليون قد نزلوا فى ميناء الجديدة (المعمورة) شمالى سلا سنة ١١٨٢ هـ/١٧٦٩ م فطردهم منها وابتنى ميناء الصويرة فى منطقة حاحة غربى مراكش. ووثق علاقات دولته بالدولة العثمانية وتبادل معها الهدايا تأكيدا للمودة.
وتوفى سنة ١٢٠٤ هـ/١٧٨٩ م وعادت البلاد إلى الاضطراب والفوضى فى عهد ابنه اليزيد ولم يلبث أن توفى سنة ١٢٠٦ هـ/١٧٩٢ م وتولاها أخوه سليمان لنحو ثلاثين عاما، ومنى فى أوائل عهده بحروب متصلة بينه وبين أخويه هشام ومسلمة، وخرج منها بعد طول عناء، ليظل بقية أيامه ينازل بربر الأطلس التلى أو الأطلس المتوسط، وولى بعده ابن أخيه عبد الرحمن بن هشام حتى سنة ١٢٧٦ هـ/١٨٥٩ م وشغل بثورات داخلية واحتل تلمسان حين احتلت فرنسا الجزائر، وهزم فى موقعة إيسلى. وخلفه ابنه محمد حتى سنة ١٢٩٠ هـ/١٨٧٤ م وقضى على ثورة الجيلالى الزرهونى واحتلت إسبانيا تطوان ثم انسحبت منها بمقتضى معاهدة. وتلاه ابنه الحسن وهو من أهم سلاطين الدولة العلوية وقد نشر الأمن فى ربوع البلاد، وأخذ يفتحها على الغرب فأرسل البعوث إلى أوربا وأخذ يرقى بالبلاد حضاريا وفكريا، وعهده الزاهر يعد-فى رأينا-افتتاح العصر الحديث فى المغرب الأقصى.