الاستيلاء على تلمسان، وسرعان مارده الأتراك العثمانيون حكام الجزائر. وتوفى سنة ١٠٦٩ هـ/١٦٥٩ م وخلفه ابنه محمد، وحدث شقاق بينه وبين أخيه الرشيد، وتحاربا وتوفى محمد فى أثناء الحرب، فخلص الأمر للرشيد وتمت بيعته سنة ١٠٧٥ هـ/١٦٦٥ م وكان قد تولى لابيه وأخيه على مكناس فاتخذها عاصمته واستولى على سجلماسة، ولم يلبث أن استولى على فاس ومنطقتها فى سنة ١٠٧٦ هـ/١٦٦٦ م من يد محمد الحاج رئيس الزاوية الدلائية وحلفائه من أعراب الأثبج، وفتح منطقى الهبط ونودى به سلطانا على المغرب جميعه فى السنة التالية. وصمم على هدم الزاوية الدلائية فى منطقة فازاز شرقى ممر تازا ودخلتها جنوده سنة ١٠٧٨ هـ/١٦٦٧ م وهدموها ولم يبقوا منها باقية، واستسلم له محمد بن الحاج الدلائى فأرسل به مع أسرته إلى فاس حيث عاشوا فى رعايته، وتلطف مع شيوخ الزاوية فأرسل بهم إلى معاهد فاس وغيرها ليزاولوا نشاطهم العلمى. واستولى سنة ١٠٧٩ هـ/١٦٦٨ م على مراكش من يد أعراب الشبانات، ولم يلبث أن فتح مدينة ترودنت وبقية مدن السوس، وأذعن بالطاعة له أعراب المغرب الأقصى جميعهم من الهلالية فى الشرق وقبائل حسان والمعقل فى منطقة درعة، وأعلنت منطقة الريف فى الشمال طاعتها له، ما عدا مليلة وسبتة اللتين كانتا قد استولى عليهما الإسبان، وما عدا طنجة التى انتقلت إلى الإنجليز وبذلك أعاد الرشيد إلى المغرب الأقصى وحدته، وهو يعد المؤسس الحقيقى لتلك الدولة العلوية.
وتوفى الرشيد سنة ١٠٨٢ هـ/١٦٧٢ م وخلفه أخوه إسماعيل وهو من أعظم سلاطين العلويين وطال حكمه نحو سبعة وخمسين عاما حتى سنة ١١٣٩ هـ/١٧٢٧ م وكانت سنوات رخاء وخير وبركة للمغرب الأقصى، وقد مدّ حدوده شرقى نهر الملوية حتى مدينة وجدة، وثبتت تلك الحدود إلى اليوم، كما مدّ حدوده جنوبا متوغلا فى بلاد السودان الغربى. وكوّن للمغرب الأقصى جيشا ضخما من البربر والأعراب والسود وكان يأتى بهم من فتوحه فى السودان الغربى وحوض النّيجر، واتخذ لهم معسكرا يدربون فيه تدريبا عسكريا متقنا وبلغوا فى حياته مائة وخمسين ألفا، ووزعهم على القلاع بجميع أنحاء المغرب الأقصى للحراسة وأمن الطرق. وعاشت البلاد لعهده فى رخاء وطمأنينة وأمان وسخت الأرض بالخيرات. وأخذ إسماعيل يستكمل عدته لمنازلة الأجانب المحتلين لشواطئ المغرب الأقصى فى الشمال والغرب، وكانت كاترينا وارثة عرش البرتغال قدمت مدينة طنجة صداقا إلى زوجها شارل الثانى ملك إنجلترا سنة ١٠٧٢ هـ/١٦٦١ م فانتقلت طنجة من أيدى الإسبان إلى أيدى الإنجليز، واستطاع طرد الإنجليز منها سنة ١٠٩٥ هـ/١٦٨٤ م كما استطاع طرد الإسبان من المعمورة (المهدية) شمالى مدينة سلا، حتى إذا كانت سنة ١١٠١ هـ/١٦٨٩ م طردهم من مدينة العرائش، وكان قد خلصها منهم العياشى، وعادوا فاستولوا عليها، ودق الشعب فى المغرب الأقصى الطبول ابتهاجا بعودتها، إذ كان قد أعلن من أجلها الحداد، واتخذ لذلك شعارا أن يلبس