العلم مذ كان محتاج إلى العلم ... وشفرة السيف تستغنى عن القلم
ويقول ابن خلكان إنه كان فقيها شافعيا شديد التعصب للسنة، ويبدو أن ذلك إنما يصدق على أوائل حياته حين كان يدرس مذهب الشافعى فى زبيد. أما بعد ذلك فإننا نراه يتصل بآل زريع الإسماعيليين وبأمير مكة الزيدى. ولعل السبب فى أن ابن خلكان أطلق كلامه عليه وعمّمه أنه وجده فى كتابه «النكت العصرية» يتبرأ من التشيع ويذكر أن طلائع بن رزّيك عرض عليه أن يدخل فى العقيدة الإسماعيلية، فأجابه بأن يمنّ عليه بسدّ هذا الباب. ولكن كتاب النكت-فيما يبدو-ألّف فى عصر الأيوبيين، فكان طبيعيا أن يخفى إسماعيليته أو تشيعه، وأن يعلن براءته فى تصانيفه وقصائده من التشيع وآله. ونراه فى قصيدة له كتب بها إلى صلاح الدين وسماها «شكاية المتظلم ونكاية المتألم» يصف كثرة ما كان يصله من عطايا الفائز والعاضد ووزرائهما بمثل قوله:
مذاهبهم فى الجود مذهب سنّة ... وإن خالفونى فى اعتقاد التشيّع
وهذا وأمثاله كان-فى رأينا-سبب ضلال ابن خلكان فى الحكم عليه، فإن من يرجع إلى ديوانه ومدائحه فى الخليفة الفاطمى العاضد وطلائع وزيره وابنه العادل لا يشك فى أنه اعتنق المذهب الفاطمى الإسماعيلى، من ذلك قوله من قصيدة فى مديح العاضد وطلائع:
لا يبلغ البلغاء وصف مناقب ... أثنى على إحسانها التنزيل
سير نسخناها من السّور التى ... ما شانها نسخ ولا تبديل
وهو يشير إلى ما جاء فى الذكر الحكيم من مثل قوله تعالى: {(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)} ويمد ذلك إلى التوراة والإنجيل وما جاء فيهما من ذكر الرسول على لسان موسى وعيسى، وكأن ذكره يتضمن ذكر ذريته، وقد جاء فى سورة الصفّ على لسان عيسى: {(وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اِسْمُهُ أَحْمَدُ)} وهذه الفكرة التى تصل بين الرسول والأئمة الفاطميين فى التوراة والإنجيل كان يرددها شعراؤهم من مثل قول السلطان الخطاب فى الخليفة الآمر:
هو الذى كنت التّوراة عنه وفى ... الإنجيل ما ضمنّت فيه المزامير
ودائما يقرّر عمارة حق العاضد الثابت بالمعقول والمنقول كما يقول فى نفس اللامية السالفة، ونراه يقول فى دالية مدح بها العاضد ووزيره العادل بن طلائع بن رزّيك:
أغنى عن التّقليد نصّ إمامة ... والنّصّ يبطل عنده التّقليد