للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا نزل به جار أضافه وأعانه وحفظ له كل ما يمكن من حقوق الجوار. وكان من أهم ما يقوم به السيد إصلاح ذات البين فى القبيلة ولمّ شعثها، مستعينا فى ذلك بشيوخها وأصحاب الشرف فيها. ودائما لا بد له من استشارتهم، بل لا بد له من أن يستمع إلى كل فرد من أفراد القبيلة، فهم جميعا أكفاء يتساوون فى الحقوق.

ومن أهم ما يدل على هذه المساواة نظام الإجارة، وهى حق التوطن فى القبيلة، إذ كان لكل فرد فيها أن يجير من يشاء، وإذا أجار شخصا أصبحت قبيلته ملزمة به، وأصبح له ما لأفرادها من حقوق، وعليه ما عليهم من واجبات.

وكان أفراد القبيلة جميعا يضعون أنفسهم فى خدمتها وخدمة حقوقها، وعلى رأسها حق الأخذ بالثأر ممن سولت له نفسه من القبائل الأخرى أن يعندى على أحد أبنائها، فكل فرد فيها يضحى لها بنفسه كما يضحى لها بماله، فهى حياته وكيانه، وهو مع اعتزازه بفرديته وشخصيته وحريته يعيش لها وداخل إطارها، مدفوعا فى ذلك بعصبية شديدة، وهى عصبية سيطرت على نفوسهم، وقدسوها تقديسا كان أعظم من تقديسهم للشعائر الدينية، فتلك الشعائر تشركهم فيها قبائل أخرى، أما شعائر العصبية القبلية فإنها خاصة بالقبيلة وأبنائها الذين يجمعهم دم واحد ونسب واحد. وربما تسامح الواحد منهم فى دينه، إذ لم يكن يهمه فى كثير من الأحوال، أما فى العصبية فإنه لا يتسامح فى أى واجب من واجباتها، ومن خير ما يصور ذلك قول دريد بن الصّمّة (١):

وما أنا إلا من غزيّة إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد

فغيه ورشده مرتبطان بعشيرته غزية، فإن ضلت ضل معها وأمعن فى ضلاله، وإن اهتدت اهتدى معها وأمعن فى هداه.

وكانت القبيلة من جانبها تعطى لأبنائها عليها نفس الحقوق، فهى تنصرهم فى الملمأت التى تنزل بهم ظالمين أو مظلومين، فحسب أحدهم أن يستغيث فإذا السيوف مشرعة، وإذا الدماء تتصبب على أتفه الأسباب. وقد تحولوا بسبب اختصامهم على المراعى واتخاذهم الغزو وسيلة من وسائل عيشهم إلى ما يشبه كتائب حربية،


(١) الأصمعيات (طبع دار المعارف) ص ١١٢ وانظر المرزوقى على الحماسة ٢/ ٨١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>