للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسيادته رمزية، وإذا بغى كان جزاؤه جزاء كليب التغلبى حين بغى وطغى على أحلافه من بكر، فقتلوه، مما كان سببا فى نشوب حرب البسوس المشهورة.

فالسيد فى القبيلة إنما هو الشخص الألمعى الذى حنكته التجارب، وغالبا ما يرث سيادته عن آبائه، حتى يتم له الحسب الرفيع، وليس له أى حقوق سوى توقيره، أما واجباته فكثيرة، فلابد فيه من الشجاعة والكرم والنّجدة وحفظ الجوار وإعانة المعوز والضعيف، ولا بد أن يتحمل أكبر قسط من جرائر القبيلة وما تدفعه من ديات، ولا بد أن يكون حليما متسامحا، وإلى ذلك كله يشير معاوية سيد بنى كلاب حين يقول (١):

إنّى امرؤ من عصبة مشهورة ... حشد لهم مجد أشمّ تليد (٢)

ألفوا أباهم سيدا وأعانهم ... كرم وأعمام لهم وجدود

إذ كل حىّ نابت بأرومة ... نبت العضاه فماجد وكسيد (٣)

نعطى العشيرة حقّها وحقيقها ... فيها ونغفر ذنبها ونسود

وإذا تحمّلنا العشيرة ثقلها ... قمنا به وإذا تعود نعود (٤)

وإذا نوافق جرأة أو نجدة ... كنا، سمىّ، بها العدوّ نكيد (٥)

بل لا نقول إذا تبوّأ جيرة ... إن المحلّة شعبها مكدود (٦)

وواضح أن السيد فى رأى معاوية لا بد أن يكون شريف الأصل والأرومة، من عشيرة لها مجد فسيح الفناء، ولا بد أن يرعى حقوق هذه السيادة، وهى الحلم والصفح عن السفهاء وكظم الغيظ مع العفو والمغفرة، ولا بد له أن يبذل المال والنفس فى جنايات القبيلة وأن يسارع إلى النجدة والحرب وأن يكون كريما مضيافا.


(١) المفضليات، القصيدة رقم ١٠٤.
(٢) الحشد: الذين يحتشدون ويجتمعون للملمات، والتليد: القديم.
(٣) الأرومة: الأصل، العضاه: شجر ضخم من أشجار البادية، الماجد: ذو المجد، والكيد: الدون.
(٤) الثقل: الغرم والدية.
(٥) سمى: مرخم سمية، وحذف ياء النداء.
(٦) الشعب: ما انفرج بين جبلين مكدود: فى ضيق وشدة، يقول إنه لا يعتذر لأضيافه بما يلم به من شدائد.

<<  <  ج: ص:  >  >>