للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عوف الذبيانيين تحالفت عند نار ودنوا منها حتى محشتهم (أحرقتهم) فسمى حلفهم باسم المحاش. ومن الأحلاف المشهورة فى مكة حلف المطيّبين وقد تعاقد فيه بنو عبد مناف وبنو زهرة وبنو تيم وبنو أسد ضد بنى عبد الدار وأحلافهم، ويقال إنهم غمسوا أيديهم فى جفنة مملوءة طيبا. وأكرم من هذا الحلف حلف الفضول وفيه تحالفت قبائل من قريش على أن لا يجدوا بمكة مظلوما إلا نصروه وقاموا معه حتى تردّ عنه مظلمته. ومن أحلاف العرب المشهورة حلف الرّباب، وهم خمس قبائل: ضبة وثور وعكل وتيم وعدى، وحلف عبس وعامر ضد ذبيان وأحلافها من تميم وأسد وحلف الحمس بين قريش وكنانة وخزاعة.

وكان لهذه القبائل جميعا المتحالفة وغير المتحالفة مجلس يضم شيوخ عشائرها (١) وهو ندوتهم. التى ينظرون فيها شئون قبيلتهم وكان كل فرد يستطيع أن يحضره وأن يتحدث فيه، ولم يكن له موعد معين، وفى العادة كانوا يجتمعون مساء وكلما حزب أمر أو ظهر ما يدعو إلى الاجتماع، فيتناقشون ويتحاورون، وقد يخطبون، أو يستمعون إلى بعض ما ينظمه شعراؤهم، وفى أثناء ذلك يدلى سادتهم بحكمهم وتجاربهم فى الحياة. وإلى ذلك يشير زهير بن أبى سلمى إذ يقول فى مديح هرم بن سنان وقومه (٢):

وفيهم مقامات حسان وجوههم ... وأندية ينتابها القول والفعل

وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم ... مجالس قد يشفى بأحلامها الجهل

وكانت قرارات هذه المجالس نافذة، فجميع أفراد القبيلة تذعن لها ولا تشذ عليها.

وغالبا ما يتقدم شيوخ القبيلة شيخ كبير مجرب، هو سيدها، له حنكة وحكمة وسداد فى الرأى وسعة فى الثروة، وهو الذى يقود القبيلة فى حروبها ويقسم غنائمها ويستقبل وفود القبائل الأخرى، ويعقد الصلح والمحالفات، ويقيم الضيافات.

غير أنه ينبغى أن لا يفهم من ذلك أنه كانت له أو لشيوخ القبيلة سيادة واسعة،


(١) انظر فى مجالس وحقوق سيدها وواجباته القسم الثالث من كتاب لامنس Le Berceau de l'lslam:
(٢) ديوان زهير (طبعة دار الكتب المصرية) ص ١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>