للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ما طلبنا تبلنا عند معشر ... أبينا حلاب الدّرّ أو نشرب الدّما (١)

فهم لا يرضون بالدية ويرونها ذلا ما بعده ذل أن يستبدلوا الدم بالإبل وألبانها، فالدم لا يشفيهم منه إلا الدم، وكأنما أصبح سفكه غريزة من غرائزهم لا تزايلهم، فهم يطلبونه وهم يتعطشون إليه تعطشا شديدا على شاكلة تأبط شرّا إذ يقول (٢):

قليل غرار النوم أكبر همّه ... دم الثأر أو يلقى كميّا مسفّعا

فأكبر ما يهتم به وينصب له طلب الثأر ولقاء بطل سفعت وجهه الهواجر.

وأكثر حروبهم كان يجرها نزاع بين بعض الأفراد فى قبيلتين مختلفتين، إما بسبب قتل أو بسبب إهانة، أو بسبب اختلاف على حد من الحدود، وحينئذ تشتبك عشيرتا هؤلاء الأفراد، وتنضم إلى كل عشيرة عشائر قبيلتها، وقد تنضم أحلافهما، فتنتشر نيران الحرب بين قبائل كثيرة، وصور ذلك شاعر الحماسة إذ يقول (٣):

الشئ يبدؤه فى الأصل أصغره ... وليس يصلى بكل الحرب جانيها

والحرب يلحق فيها الكارهون كما ... تدنو الصّحاح إلى الجربى فتعديها

فهى تبدأ صغيرة ضعيفة، ثم تقوى وتستحكم وتعظم بمرور الزمن، فتصبح لها عدوى كعدوى الجرب، لا يفلت منها راغب فيها ولا كاره، فالجميع يصطلون بنارها، بل يترامون فيها ترامى الفراش، فهى أمنيتهم ومبتغاهم، يقول زهير (٤):

إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم ... طوال الرماح لا ضعاف ولا عزل (٥)

فإن يقتلوا فيشتفى بدمائهم ... وكانوا قديما من مناياهم القتل

فجميعهم يطيرون إلى المستغيث بخيلهم ورماحهم، وتدور رحى الحرب فيقتلون


(١) التبل: الثأر، وحلاب الدر: كناية عن الإبل التى تحلب وتشرب ألبانها.
(٢) المرزوقى على حماسة أبى تمام ٢/ ٤٩٢ وغرار النوم: قليله، والكمى: الشجاع.
(٣) المرزوقى ١/ ٤٠٧.
(٤) ديوان زهير ص ١٠٢.
(٥) الأعزل مفرد عزل: من لا سلاح له، وفزعوا: أغاثوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>