للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أعدائهم ويشفون حقدهم ويقتل منهم أعداؤهم ويشفون غليلهم. يقول دريد ابن الصمة (١):

وإنا للحم السيف غير نكيرة ... ونلحمه حينا وليس بذى نكر (٢)

يغار علينا واترين فيشتفى ... بنا إن أصبنا أو نغير على وتر (٣)

قسمنا بذاك الدهر شطرين بيننا ... فما ينقضى إلا ونحن على شطر

ومثل قبيلة دريد قبائل العرب جميعها، فهم طعام السيوف، يطعمونها أعداءهم، ويطعمهم أعداؤهم لها فى غير نكران، فهم دائما واترون موتورون، وحياتهم مقسومة على هذين الحدين وإلى هذين الشطرين. ولم يكونوا يرهبون شيئا مثل الموت حتف الأنف بعيدا عن ميادين القتال، ميادين الشرف والبطولة، حيث يموتون طعنا بالسيوف والرماح، وحيث تتناثر أشلاؤهم وتأكلها السباع، يقول الشنفرى (٤):

ولا تقبرونى إنّ قبرى محرّم ... عليكم ولكن أبشرى أمّ عامر

فهو يتمنى أن لا يقبر، وأن يترك بالعراء فى ساحة الحرب تنوشه السباع، ويبشر أم عامر وهى الضبع بجسده، حتى يخلد فى سجل قتلى الجاهلية المجيد.

وكانوا يسمون حروبهم ووقائعهم أياما، لأنهم كانوا يتحاربون نهارا، فإذا جنّهم الليل وقفوا القتال حتى يخرج الصباح. وأيامهم وحروبهم كثيرة، وهى تدور فى كتب الأدب والتاريخ، ويقال إن أبا عبيدة المتوفى سنة ٢١١ للهجرة صنف فى ألف يوم ومائتين منها كتابا اعتمد عليه من جاءوا بعده، ولم يصلنا هذا الكتاب، وإنما وصلنا شرحه لنقائض جرير والفرزدق وفيه طائفة كبيرة منها.

وألف فيها من بعده كثيرون أحصاهم ابن النديم فى المقالة الثالثة من الفن الأول بكتابه الفهرست. وفى كتاب الأغانى لأبى الفرج الأصبهانى وشرح حماسة أبى تمام للتبريزى منثورات منها كثيرة. وعقد لها ابن عبد ربه فى العقد الفريد وابن الأثير


(١) المرزوقى ٢/ ٨٢٥.
(٢) نكيرة ونكر: نكران وامتراء، ونلحمه: نطعمه اللحم.
(٣) الوتر: الثأر، واترين: قاتلين ومسببين الوتر.
(٤) المرزوقى ٢/ ٤٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>