للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يغصّ دائما بالفقهاء والقرّاء والأدباء، فلما توفى أكثر الشعراء من رثائه، ومن جيّد ما قيل فيه قول ختنه شبل الدولة مقاتل بن عطية (١):

كان الوزير نظام الملك لؤلؤة ... يتيمة صاغها الرحمن من شرف

عزّت فلم تعرف الأيام قيمتها ... فردّها، غيرة منه، إلى الصّدف

وظاهرة جديدة فى الرثاء لهذا العصر، قد تكون لها مقدمات فى العصر العباسى، ولكنها شاعت إلى أقصى حد حينئذ، ونقصد رثاء الفقهاء والعلماء فى كل فن، فلم يتوفّ عالم كبير إلا تبارى تلاميذه وغير تلاميذه فى رثائه، فمن ذلك رثاء أبى الحسن عبد الرحمن البوشنجىّ لأبى عثمان الصابونى شيخ الإسلام بخراسان، وفيه يقول (٢):

أودى الإمام الحبر إسماعيل ... لهفى عليه فليس منه بديل

بكت السما والأرض يوم وفاته ... وبكى عليه الوحى والتّنزيل

والشمس والقمر المنير تناوحا ... حزنا عليه وللنّجوم عويل

ومن يرجع إلى طبقات الشافعية للسبكى سيجد من هذا الرثاء للفقهاء والمحدّثين وأئمة الإسلام كثيرا، وبالمثل من يرجع إلى كتب الشعراء مثل اليتيمة ودمية القصر وكتب التراجم مثل وفيات الأعيان لابن خلّكان ومعجم الأدباء لياقوت، من ذلك قول أبى الفرج حمد بن محمد الهمذانى فى رثاء الشيخ الإمام أبى محمد الجوينىّ (٣):

علوم علت أعلامها غبراتها ... وأعين أعيان طغت عبراتها

وأفلاذ أكباد من الفضل فتّتت ... فدلّت على تفتيتها زفراتها

تداعت مبانى الدين وانهدّ ركنه ... وهدّم من أطواده صخراتها

وبلغ ابنه إمام الحرمين أبو المعالى عبد الملك الجوينى من الشهرة العلمية ما لعل أباه لم يبلغه غزارة مادة وتفننا فى العلوم من الأصول والفروع. ولما توفى أغلقت الأسواق فى نيسابور إجلالا له وتكرمة، وكسر منبره فى الجامع وقعد الناس لعزائه، كما يقول ابن خلكان، وأكثروا فيه من المراثى، كقول بعض تلاميذه (٤):

قلوب العالمين على المقالى ... وأيام الورى شبه الليالى

أيثمر غصن أهل العلم يوما ... وقد مات الإمام أبو المعالى

ونجد بين أساتذة الزمخشرى أستاذا مغمورا درس عليه النحو، يسمى أبا مضر


(١) ابن الأثير ١٠/ ٢٠٦
(٢) السبكى ٤/ ٢٨٣
(٣) الدمية ١/ ٥٥٧
(٤) ابن خلكان ٣/ ١٧٠

<<  <  ج: ص:  >  >>