واللوز والفستق، ويقولون إن بها غدرانا وآبارا كثيرة. وبعض الجهات-وخاصة فى النواحى الشرقية-مفازات شاسعة تنمو فيها الأعشاب والحشائش وترعاها قطعان الغنم والأبقار والإبل والخيل.
وظلت الزراعة مزدهرة فى عصر الدولة الصنهاجية حتى منتصف القرن الخامس الهجرى، وأصابها غير قليل من الانتكاس مع الهجرة الأعرابية، حتى إذا كانت الدولة الحفصية وأخذ يعم الأمن والاستقرار فى البلاد بعد حركات قراقوش وابنى غانية عادت الزراعة فى البلاد إلى الازدهار بفضل عناية مؤسس الدولة أبى زكريا بشئون الرى وعناية ابنه المستنصر، ويقول ابن أبى دينار إنه أكمل بناء الحنايا والقنوات التى كان يجرى عليها الماء إلى مدينة قرطاجة فى الزمن الأول (لأيام القرطاجيين والرومان) وأصلح ما فسد منها، وأجرى الماء عليها من عيون جبل زغوان فى الجنوب الغربى إلى تونس وجناتها وزروعها وسقاياتها وجامعها الكبير: جامع الزيتونة. وينوّه الحسن الوزان بما شاهد حول تونس فى القرن العاشر الهجرى من زروع وبساتين قائلا:«توجد فى خارج تونس مزارع غاية فى الإبداع تنتج فواكه رائعة بكميات قليلة ولكنها فى غاية الجودة، وهناك عدد لا يحصى من البساتين المزروعة بالبرتقال والليمون، وبالورود وبزهور جميلة أخرى، وفى المكان الذى يدعى الباردو على الخصوص توجد البساتين والقصور الفخمة». وينوه ابن أبى دينار فى زمنه أوائل القرن الحادى عشر الهجرى بجنات تونس وبساتينها، ويقول إن من رأى ثمارها وفواكهها يعجزه الوصف إذ لا تدخل تحت حصر» ويقول أيضا:«يدخل إليها فى فصل الخريف أزيد من ألف حمل من العنب بخلاف ما يباع معه من تين وبطيخ وغيرهما». وبدون ريب كان للمهاجرين الأندلسيين إلى تونس فضل كبير فى هذا الازدهار منذ عصر الدولة الحفصية، وازدادت الزراعة ازدهارا حين ازداد المهاجرون منهم زيادة مفرطة فى سنة ١٠١٦ هـ/١٦٠٩ م وما بعدها لعهد الداى عثمان والداى يوسف كما مر بنا فى الفصل الماضى، ويقال إن عددهم بلغ حينذاك أكثر من مائة ألف، وقد استقر كثيرون منهم-كما أسلفنا-فى المناطق الخصبة الشمالية حول نهر مجردة، ونزل بعض منهم فى أنحاء قليلة المياه فاستخرجوها عن طريق طواحين الريح، ونزل بعضهم فى أماكن صعبة بسفوح الجبال، واستطاعوا-بجدهم-أن يحيلوا كل ما نزلوا فيه واستقروا به إلى جنات وزروع وقنوات وعيون. وتلقانا أشجار الزيتون والبرتقال واللوز والفستق فى كل مكان كما تلقانا أشجار النخيل، وخاصة فى الواحات ومنطقة شط الجريد. ويبدو أن الرومان تغلغلوا مع القوافل التجارية إلى هذه المنطقة وظل كثيرون منهم فيها بعد الإسلام لا قرنا بل قرونا متطاولة، حتى لنرى التجانى الذى زارها فى أوائل القرن الثامن الهجرى يقول فى زيارته لها التى سجلها فى رحلته: «إن أهل توزر (غربى شط الجريد) وأكثر بلاد الجريد من بقايا الروم الذين كانوا بإفريقية قبل الفتح الإسلامى» ويقول إن بعضهم كان لا يزال يتكلم اللاتينية.