وعرف القطر التونسى مختلف الصناعات-وخاصة اليدوية-من قديم كالنجارة والحدادة وعصر الزيتون واستخراج المعادن. وكان بها معادن كثيرة مثل الرصاص والحديد والزنك والزئبق والفضة والذهب أتاحت للقطر موارد مالية غير قليلة، حتى لنرى الأغالبة يخصونها بإدارة يسندونها إلى موظف سموه:«صاحب المعادن» واشتهرت «قرطاجة» فى غربى القطر بما كان يستخرج فيها من معدن الحديد، مما هيّأ لصناعات حديدية مختلفة مثل الأقفال والمفاتيح والأبواب والنوافذ، واشتهر «طرّة» من إقليم نفزاوة فى الجنوب الشرقى للقطر بمعدن الكارتز، وهيّأ بدوره لصناعات زجاجية وبلورية. ومن أهم الصناعات صناعة الخزف مطليا وغير مطلى وما يتصل بها من الآنية والأباريق والكيزان والمواعين، ويقول ابن أبى دينار فى فواتح كتابه «المؤنس»: «تصنع بتونس آنية للماء من خزف شديد البياض فى نهاية الرقة والشفافية لا يعلم له نظير فى سائر الأقطار». ومن الصناعات صناعة دبغ الجلود وكان ينتفع بها فى صناعة السروج.
ومن الصناعات عصر الزيتون فى معاصر كثيرة معدة له، وتونس تشتهر بهذه الصناعة منذ عصر الرومان، وكانوا يرسلونه إلى روما فى مواعين كبيرة، ويدل على كثرة معاصره فى الحقب الاسلامية ما يذكره ابن أبى دينار وهو أن أبا يزيد مخلد بن كيداد-حين زحف على إفريقية التونسية فى عهد الخليفة العبيدى القائم بأمر الله ودخل القيروان وتونس-نهب اثنى عشر ألف جابية زيتا. ويقول الحسن الوزان فى كتابه وصف إفريقيا الذى سجّل فيه زيارته لتونس:
«على مسافة أربعة إلى ستة أميال حول تونس تنتشر مصانع عديدة لإنتاج الزيت لا لتموين مدينة تونس فحسب، بل للتصدير كذلك، ويصنع من حطب الزيتون فحم يستخدم فى المدينة، ويستعمل جزء منه فى التدفئة».
وكانت صناعات المنسوجات القطنية والصوفية والحريرية والكتانية منتشرة فى تونس وغيرها من بلاد القطر التونسى، ويقول أبو عبيد البكرى فى كتابه المسالك عن النسيج بمدينة سوسة:«الحياكة بها كثيرة ويغزل بها غزل تباع زنة المثقال منه بمثقالين من ذهب». وينوّه الحسن الوزان فى القرن العاشر الهجرى بما كان من النسيج فى تونس وصناعته قائلا: «غالبية سكان تونس من الحاكة (النساجين) وتصنع فيها كمية كبيرة من الأقمشة المتقنة كل الإتقان والتى تباع فى كل إفريقية، وهى مرتفعة السعر كثيرا لأنها ناعمة ومتينة، ويرجع السبب فى ذلك إلى أن النساء يتقنّ مهنة الغزل كل الإتقان» ويرجع بنا الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب إلى مدينة رقادة فى عهد الأغالبة قائلا: «كان بها دار الطراز وكانت مصنعا تنسج فيه الأكسية من الحرير والقطن والصوف، وكذلك العمائم والأحزمة إلى غير ذلك من الخلع التى يهبها الأمير (الأغلبى) فى الأعياد وعند تقليد المناصب لأعيان الأمة ورجالات الدولة، وكانت تكتب على هذه الخلع كتابات موشية بخيوط الحرير والذهب، وهى تقوم مقام الأوسمة فى عصرنا الحديث».