ولا بد أن الصناع كانوا يوشّون ثياب النساء بهذه الخيوط وبخيوط أخرى فضية لتكمل زينتهن بمالها من لمعان وبريق.
وكان الصانع التونسى يعنى بزركشة ما ينسج من السجاجيد وخاصة للأمراء وأعيان البلاد، وكان يرسم عليها بعض الحيوانات أو بعض البلاد، ويذكر الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب أنه صنع للمعز الفاطمى قبل تحوله إلى القاهرة مقطع كبير رائع من الحرير الأزرق الملوّن المنسوج بالذهب وقد رسمت فيه صورة الأرض بكل ما تشتمل عليه من الأقاليم والمدن والأنهار والجبال وصورة الحرمين الشريفين. ولعل فى عرضنا لذلك كله ما يدل على الرقى الحضارى الذى نعمت به تونس قبل العصر الحديث، وكانت الأخشاب فيها وافرة مما هيأ للتفنن فى صناعة الأثاث، كما هيأ الزجاج والخزف للتفنن فى صناعة المواعين والحرير والصوف والقطن والكتان للتفنن فى الرياش وكل ما يلزم القصور والمنازل من فنون الزينة والزخرف.
ومن الصناعات التى كانت مزدهرة بتونس الوراقة أو صناعة الورق والكتابة فيه، ومعروف أن بغداد لم تعرفه إلا فى عصر الرشيد، وقبل ذلك كانت الكتابة فى الرق أو الجلد المهيأ للكتابة وكذلك فى البردى الذى كانت تستخدمه مصر منذ عصور الفراعنة، وهو نبات كانت تضم أوراقه الطويلة بعضها إلى بعض بطريقة خاصة، فيصبح صالحا للكتابة فيه. وكان القطر التونسى يجلب النوعين من المشرق وكان اعتماده الغالب على الرّقّ وجلب معهما الأقلام والمداد. وتعرّف على صنعهما، حتى إذا فتحت صقلية سنة ٢١٢ هـ/٨٢٨ م وكان بها بردى كثير أخذوا-كما يقول ابن حوقل-يفتلون أكثره حبالا للسفن» وأقله كان يصنع طوامير أو صحفا لدواوين الأمير الأغلبى ومن تلاه من حكام القطر التونسى، وأخذ الشعب التونسى يحسن صناعة الورق من الكتان ويسمى الكاغد نفس اسمه الذى نقله العباسيون مع الورق من الصين، ويقول الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب إن صناعته انتقلت من تونس إلى صقلية وعبرت صناعته مضيق مسّينا إلى سالرنو فنابولى، فألمانيا حيث استطاع جوتنبرج بعد قليل اختراع الطباعة، وبدهى أنه لولا الورق ما اخترعت المطبعة. ومن الممكن أن تكون أوربا عرفت الورق ونقلت صناعته عن الأندلس، غير أن الأستاذ عبد الوهاب يرجح معرفتها به عن طريق تونس وصقلية.
ومنذ فتح العرب القطر التونسى تبنى فيه المنشآت العمرانية وتشاد، ولا يشاد بناء مفرد أو قصر مفرد، بل تشاد مدن، بدأ ذلك عقبة بن نافع ببناء القيروان، وبنى تونس بعده بقليل حسان ابن النعمان، وبنى الأغالبة العباسية ورقّادة، وأحالوا قرية سوسة على الساحل مدينة وثغرا ضخما، وبنى عبيد الله المهدى مدينة المهدية وجعلها دارا لحكمه وثغرا لأسطوله، وأحال حفيده المنصور قرية صبرة بجوار القيروان إلى مدينة وسماها «المنصورية» نسبة إليه. وكانت المدينة