للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رشيق عند شاعر يسمى بكر بن على الصابونى، وقال إنه كان صاحب نوادر وهجاء خبيث، ولم يكد يلمّ من هجائه إلا بأمثلة قليلة كان يسف فيها إسفافا شديدا، ونجد عند بعض هجّائيهم هجاء للفقهاء كالشأن فى الأندلس من مثل قول أبى طالب الدّلائى (١):

لا تكن مثل معشر فقهاء ... جعلوا العلم للدراهم صيدا

طلبوه فصيروه معاشا ... ثمّ كادوا به البريّة كيدا

وفى ظننا أنّ أحد الأسباب فى انصراف الناس بتونس وغيرها من البلاد المغربية إلى المتصوفة أن وجدوهم زهادا فى كل ما بيد الحكام من أموال فاطمأنوا إليهم، ومما ساقه ابن رشيق فى أنموذجه قول بعض الهجائين فى أحد الكتاب (٢):

وكاتب يمسخ ما ينسخ ... جميع ما يكتبه يفسخ

حرت فلا أدرى أأثوابه ... أم عرضه أم حبره أوسخ

وقد عمم الوساخة فى حبر الكاتب وعرضه وأثوابه، وبذلك لسعه لسعا شديدا، وأكثر منه لسعا وإيلاما ما قيل فى مصلوب، وهو قول قرهب الخزاعى، ويبدو أنه صلب معه آخرون بنفس تهمة المروق عن الدين (٣):

ما راقب الله فى عرض النّبىّ ولا ... خاف العقاب ولا صلّى ولا سجدا

مردتم فلقيتم بطش مقتدر ... وتلك سنّته فى كلّ من مردا

فهو-وأصحابه-مارقون ملحدون، يستحقون ما نزل بهم من عقاب أليم. وتخف حدة الهجاء فى زمن الدولة الحفصية ويعود إلى الاشتعال فى عصر الدولة الحسينية، وخير من يمثله محمد الرشيد الحسينى فى هجاء ابن عمه على الأول وبيان عقوقه لعمه ونهبه للحكم منه ومن إخوته، وظل يكرر ذلك طويلا فى مثل قوله (٤):

استأصل الناس نهبا واستباح دما ... وما نجا غير من نجّته رجلاه

بغى علينا وأهلينا وشتّتنا ... وعمّ بالجور، والخسران أعماه

قد عقّ والده والعمّ يا عجبا ... حتى ابنه بسهام الحرب أصلاه


(١) الأنموذج لابن رشيق ص ١١٨.
(٢) الأنموذج ص ٢٤٩.
(٣) الأنموذج ص ٣٢٩.
(٤) ديوان محمد الرشيد ص ٦٤ وانظر الأدب التونسى فى العهد الحسينى ص ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>