للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشجعان ويعيش معيشة جديرة به. ويلقانا فى أول الدولة الحفصية مؤسسها أبو زكريا، وله قصيدة حماسية طويلة يقول فى فاتحتها (١):

أجب داعييها فالنجيب يجيب ... وشبّ لظاها فالنّخيب يخيب (٢)

وشم عزمة لا يغمز العجز متنها ... فذو العزم فى اليوم العصيب يصيب

ولا تتبع العلياء إلا بأبيض ... لغربيه فى هام الكماة غروب (٣)

وهو يدعو كل شخص إلى أن يخوض غمار الحرب، إذ لا ينكل عنها إلا الجبان. ويتدرّع بعزم قوى فصاحب العزم هو الذى يصيب الهدف المأمول، ودائما تتسلح للعلياء بسيف حاد يقطع رءوس شجعان الأعداء قطعا ولا يبقى منها بقية. وتلقانا عند شعراء هذه الدولة الحفصية أشعار حماسية كثيرة، ونجد ابن خلدون يشارك فيها واصفا شجاعة البدو وبطولة فرسانهم، وبالمثل نجد طائفة من هذه الأشعار عند شعراء العصر الحسينى، ومما يمثلها فيه قصيدة على الغراب الصفاقسى فى الأسطول الذى أنشأه على الثانى الحسينى، وفيها يقول (٤):

بشائر فى الإسلام زاد بها عزّا ... وآيات نصر نورها يذهب العجزا

سوابح فلك للمغانم أنشئت ... يسابق أفلاك السّما جريها وخزا

يفوز بأجر من علاها ومغنم ... إذا ضربوا فى البحر أو ركبوا غزّا (٥)

إذا لقى الإسلام كفرا ترى بها ... جميع العدا أسرى وأعناقهم حزّا

والقصيدة تموج بحماسة ملتهبة، فالأسطول وسفنه بشرى للإسلام وآيات نصر مجيد له، وإن السفن لتسابق أفلاك السماء فى جريها حتى لا يمكن أن يفلت منها العدو، وحتى إذا لقيته أصبح كل أفراده إما أسرى وإما مذبوحين ذبحا، فهم بين أسير وقتيل، وكان يعاصر على الغراب الأمير على الثانى الحسينى وله فى الفخر شعر بديع وسنخصه بكلمة، وممن أنشد لهم الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب أشعارا فى الفخر ابن سعيد الحجرى وحمودة بن عبد العزيز.

وإذا تركنا الفخر إلى الهجاء لم نجد ابن رشيق ولا من جاءوا بعده يتوسعون فى الكتابة عن هذا الفن، إما لأن أهل الإقليم لم يكونوا يعجبون به، وإما لأن الشعراء أنفسهم لم يكونوا يعيشون له كما كان يعيش بعض الشعراء فى العراق وفى الشام ومصر، ومع ذلك فقد توقف ابن


(١) مجمل تاريخ الأدب التونسى ص ١٨٨.
(٢) النخيب: الجبان.
(٣) لغربيه: لجانبيه. هام الكماة: رءوس الشجعان.
(٤) مجمل تاريخ الأدب التونسى ص ٢٤١. الأدب التونسى فى العهد الحسينى ص ١٠٢.
(٥) غزّا: غزاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>