للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أركب الهول بكرّا ... تى على الجيش اللهام (١)

تعرف الأنسر بأسى ... فهى من فوقى حوامى

فقد طار اسمه وطار صيت شجاعته بين الناس بركوبه أهوال الحرب، وإن النسور لتعرف بأسه فهى ما تزال حائمة حول راياته، ولا تزال خلفه وأمامه تنتظر غذاءها من أشلاء أعدائه ممّن يذيقهم كأس المنون. وكان القائم بأمر الله، الفاطمى شاعرا مثل أبيه وله مثله شعر يفتخر فيه، من ذلك قوله، وقد غزا مصر مرارا ولم يكتب له النصر كما كتب فيما بعد لجوهر الصقلى، ومن قوله يذكر هذا الغزو آملا فى النصر (٢):

فسرت بخيل الله تلقاء أرضكم ... وقد لاح وجه الموت من خلل الحجب

وأردفتها خيلا عتاقا يقودها ... رجال كأمثال الليوث لها خبب (٣)

فكان بحمد الله ما قد عرفتم ... وفزت بسهم الفلج والنصر والغلب (٤)

وذلك دأبى ما بقيت ودأبكم ... فدونكم حربا تضرم كاللهب

وهو يصور سيره بجيشه تلقاء مصر وقد تراءى الموت له ولرجاله، ولم ينكص، بل أردف خيله خيولا أخرى عليها رجال شجعان كأنهم الأسود، يثبون ويسرعون حتى تم له النصر، غير أنه اضطر إلى العودة بجيشه إلى المهدية، وهو يتوعد خصومه بأنه سيظل يعاود الكرة عليهم وسيظل يشعل حربا تضطرم باللهب حتى يحقق ما يريد من النصر النهائى. وشاعر الفخر فى الدولة الصنهاجية تميم بن المعز وسنخصه بكلمة، وممن نلتقى بهم فى العصر أبو طاهر التجيبى، ومن طريف ما له فى عزة النفس (٥):

إلى كم أقرّ النفس فى المرتع المحل ... وأقنع من جدّ المكاسب بالهزل (٦)

أكلّف أقلامى مدى متماحلا ... ولم أعتمل مهرى ورمحى ولا نصلى

ومن كلّف الأقلام لا البيض همّه ... أقمن به بين المذلّة والقلّ

فهو يرى نفسه بكتاباته وأدبه قد أقام فى المرتع المجدب، إذ الأقلام لا تعود على صاحبها بحياة رافهة إنما الذى يعود عليه بذلك سلاحه، ويقول إن من كانت الأقلام لا السيوف مدى همه فى الحياة أقام فيها بين الذل والفقر، وإنه حرى به أن يحمل سيفه حتى يعدّ بين الأبطال


(١) اللهام: العظيم.
(٢) مجمل تاريخ الأدب التونسى ص ٨٣.
(٣) خبب: عدو سريع.
(٤) الفلج: النصر.
(٥) نفس المصدر ص ١٣٨.
(٦) المحل: المجدب.

<<  <  ج: ص:  >  >>