سريعا فى كل مكان لتعليم البربر فروض الإسلام وتحفيظهم بعض سور القرآن. وأخذ الولاة يسندون نشر الدين الحنيف بوسائل كثيرة، ومن أهمهم فى هذا الجانب حسان بن النعمان (٧١ - ٨٦ هـ) وكان قد ثار عليه شطر كبير من الجزائر فى جبل أوراس قادته قبيلة جراوة وزعيمتها الكاهنة: «داهية» وأشعلت جميع الجزائر نارا، وامتدت نار ثورتها حتى طنجة فى أقصى المغرب، وساعدها الروم، وواقعت حسان بن النعمان سنة ٧٧ للهجرة وهزمته، وظل ينتظر المدد من الخليفة عبد الملك بن مروان سنوات، وبمجرد أن جاءه نازل الكاهنة وجموعها ودارت عليها الدوائر. وبإلهام من الإسلام وتعاليمه فى معاملة البلاد المفتوحة جنّد حسان من هذا الجيش الجزائرى المنهزم اثنى عشر ألفا أدخلهم فى الجيش العربى للمشاركة معه فى الجهاد بنفس الأعطيات والرواتب والحقوق للجند العربى وليس ذلك فحسب، فقد عدّ أرض الجزائر-والمغرب عامة-فتحت صلحا لا عنوة، وهى بذلك تظل لأهلها مع ما يؤدون عنها من خراج أو زكاة، وأيضا ليس ذلك فحسب، فإنه ولّى على قبيلة جراوة وجبل أوراس واليا بربريا هو أكبر أبناء الكاهنة «داهية». وكل تلك كانت بواعث فعالة لدخول الجزائريين والمغاربة فى دين الله أفواجا، فلم يعودوا مستعبدين لفاتحين فينيقيين أو رومان أو بيزنطيين يظلمونهم ويرهقونهم بالضرائب المتنوعة، بل أصبحوا أحرارا فى ديارهم ولهم ما للفاتحين من الحقوق، فهم إخوة دين حنيف وهم زملاء سلاح وهم حكام أنفسهم. وبهذه السياسة الحصيفة الرشيدة انفتحت قلوب البربر فى الجزائر وغير الجزائر لدين الله القويم. وخلف حسانا موسى بن نصير (٨٦ - ٩٦ هـ) فوثّق هذه السياسة وزادها ضبطا وإحكاما، إذ جاس خلال الديار المغربية حتى أقصاها فى الغرب، وفى كل بلد وفى كل قبيلة خلّف معلمين يحفّظون الناس القرآن ويعلّمونهم فروض دينهم وتعاليمه، واتخذ للبربر ولاة من ذات أنفسهم، ومن أهمهم طارق بن زياد والى طنجة الذى عهد إليه بفتح الأندلس وعبر إليها بجيش من العرب والبربر، وتبعه موسى بن نصير بجيش مماثل، مما يدل بوضوح على اندماج البربر فى العرب دينا وجهادا فى سبيل الله ونشر دينه الحنيف.
ولا نبلغ سنة مائة للهجرة فى خلافة عمر بن عبد العزيز، حتى نجده يكلف عشرة من الصفوة فى فقهاء التابعين بالذهاب إلى إفريقيا لاستكمال نشر الإسلام فيها وتعليم البربر شريعة الإسلام وما تقوم عليه من الإيمان بوحدانية الله وغير ذلك من أصول العقيدة الإسلامية وأيضا ما تقوم عليه من العبادات والفرائض، واختار أحدهم، وهو إسماعيل بن عبيد الله بن أبى المهاجر ليكون الوالى على جميع البلاد المغربية جزائر وغير جزائر، ويقول عنه ابن عذارى:«ما زال حريصا على دعاء البربر إلى الإسلام حتى أسلمت بقيتهم على يديه» وعلى أيدى معاونيه من الفقهاء التسعة الذين اصطفاهم عمر بن عبد العزيز لهذه المهمة، وهم عبد الرحمن بن رافع التنوخى وعبد الله بن يزيد المعافرى الحبلى وإسماعيل بن عبيد الأنصارى وحبان بن أبى جبلة وبكر بن سوادة