لها الأظفار فتثبت أقدامها فى الجليد». ويصف العجلات التى تجرها الكلاب ومسيرتها. فحتى ما يسمعه عن بعض الأقاليم يعرف كيف يقصّه بدقائقه. وتزور إحدى زوجات محمد أوزبك أباها ملك القسطنطينية فيرسله فى رفقتها يتجول فى بلدان تلك الدولة، ويعود إلى حاضرة السلطان، وينوه بفقيه يسمى نعمان الدين الخوارزمى كان السلطان يزوره كل يوم جمعة فلا يقوم إليه ويقعد السلطان بين يديه ويتواضع إليه والشيخ يترفّع عليه حتى إذا حضره المساكين والفقراء تواضع لهم وكلمهم بألطف كلام.
ويطوف ابن بطوطة ببلدان سلاطين المغول فى التركستان ويمر ببلدان خراسان وأفغانستان إلى الهند، وعيناه الواسعتان ترصد وتسجل كل ما بها من أنهار وغروس وأشجار وحبوب وفواكه. ويعرض سكانها بعاداتهم وحكامها وضيافتهم له. ويعجب لحرق الهندوس لموتاهم بالنار وتحريق النساء مع أزواجهنّ حين يموتون وتقربهم إلى إلههم بالغرق فى نهر الكنج المقدس، ولا يكتفى برواية ذلك بل يعرض فى تفصيل مشاهد من ذلك عرضا بديعا. ويحتفى به الأمراء والقضاة والفقهاء فى بلاد الهند حتى يصل إلى دهلى (دلهى) ويصف سورها ومزاراتها وجامعها ويذكر أن به ثلاث عشرة قبة وأربعة من الصحون، وفى صحنه الشمالى صومعة (مئذنة) لا نظير لها فى بلاد الإسلام ورأسها من الرخام الخالص وتفاحاتها (رءوس أعمدتها) من الذهب الخالص وسلمها واسع بحيث تصعد فيه الفيلة. ويتحدث عن علماء دهلى ونسّاكها وتاريخها منذ فتحها المسلمون وسلاطينها حتى سلطانها الأخير لأيامه محمد شاه، كما يتحدث عن هذا السلطان وقصره ومجلسه وكثرة ما بخزائنه من الحلى والذهب، ويقول إن سريره أو عرشه من الذهب الخالص وأن قوائمه مرصعة بالجواهر، وأن طوله ثلاثة وعشرون شبرا، وعرضه نصف ذلك، ويطيل وصفه. ويخلع عليه الخلع السنيّة وينعم عليه بوظيفة القضاء فى عاصمته، ويظل يتولاها ثمانى سنوات كما مرّ بنا. ويتحدث عن انتشار السحر فى الهند ويذكر ما رآه من عجائب فيها. وينزل جزائر ذيبة المهل (الملديف) ويفصل القول عن سكانها وملابسهم وعاداتهم فى الزواج وغير الزواج. ويتجه إلى الصين وينزل سومطرة أو بلاد الجاوة ويصف بعض أشجارها مثل اللبان والكافور والعود الهندى والقرنفل، وفيها جميعا يقول:
«شجرة اللّبان صغيرة تكون بقدر قامة الإنسان إلى ما دون ذلك وأغصانها كأغصان الخرشف (الخرشوف) وأوراقها صغار رقاق، واللبان صمغية تكون فى أغصانها. وأما شجرة الكافور فهى قصب كقصب بلادنا، إلا أن الأنابيب منها أطول وأغلظ، ويكون الكافور فى داخل الأنابيب. وأما العود الهندى فشجره يشبه شجر البلوط إلا أن قشره رقيق، وأوراقه كأوراق البلوط سواء ولا ثمر له. وأما أشجار القرنفل فهى ضخمة، والمجلوب منها إلى بلادنا هو العيدان، والذى يسميه أهل بلادنا نور القرنفل فهو الذى يسقط من زهره وهو شبيه بزهر النارنج، وثمر القرنفل هو المعروف فى بلادنا بجوز الطيب، رأيت ذلك كله وشاهدته».