للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاتله، وهو يقول: (وعجلت إليك ربّ لترضى) (١) وكأنما وهبوا أنفسهم للموت. ولهم فى ذلك أخبار وأشعار كثيرة يستصغرون فيها الحياة ويهوّنون من شأنها. من ذلك أن رجلا منهم قدّمه الحجاج إلى القتل، فأنشد (٢):

ما رغبة النفس فى الحياة وإن ... عاشت قليلا فالموت لاحقها

وأيقنت أنها تعود كما ... كان براها بالأمس خالقها (٣)

يوشك من فرّ من منيّته ... فى بعض غرّاته يوافقها

من لم يمت عبطة يمت هرما ... والموت كأس والمرء ذائقها (٤)

وعلى هذه الشاكلة كان الموت أمنية كل خارجى، الموت قعصا بالرماح، حتى يفوز بالاستشهاد وبما عند الله من الثواب، يقول يزيد بن حبناء وكان من الأزارقة:

أبيت وسربالى دلاص حصينة ... ومغفرها والسيف فوق الحيازم (٥)

أريد ثواب الله يوما بطعنة ... غموس كشدق العنبرىّ بن سالم (٦)

فهم يطلبون الموت ويستعذبونه ابتغاء ثواب الله والفوز برضوانه وجناته، وإنهم يستعجلونه تعجلا، يقول قطرى بن الفجاءة (٧):

إلى كم تعارينى السيوف ولا أرى ... معاراتها تدعو إلىّ حماميا (٨)

أغارع عن دار الخلود ولا أرى ... بقاء على حال لمن ليس باقيا

ولو قرّب الموت القراع لقد أنى ... لموتى أن يدنو لطول قراعيا (٩)


(١) المبرد ص ٥٦٤.
(٢) المبرد ص ٤٣.
(٣) براها: خلقها.
(٤) عبطة: شابا.
(٥) الدلاص: الدرع الملساء اللينة. المغفر: زرد يلبس تحت القلنسوة أو حلق يتقنع به المتسلح.
(٦) غموس: واسعة. العنبرى بن سالم: رجل من الأزارقة كان يقال له الأشدق لسعة فمه.
(٧) انظر فى ترجمة قطرى وأشعاره وفيات الأعيان لابن خلكان والملل والنحل ص ٩٠ وأمالى المرتضى ١/ ٦٣٧ وفهارس الكامل للمبرد والطبرى والبيان والتبيين.
(٨) تعارينى: تطلبنى عارية. الحمام: الموت.
(٩) القراع: مضاربة السيوف فى الحرب. أنى: آن.

<<  <  ج: ص:  >  >>