للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضيع إذا فقد والأول المراد. ومثل قول الشاب الظريف وقد احتجب بعض أصحابه عنه (١):

ولقد أتيت إلى جنابك قاضيا ... باللّثم للعتبات بعض الواجب

وأتيت أقصد زورة أحظى بها ... فرددت-يا عينى-هناك بحاجب

وواضح أنه ليس المراد حاجب العين، وإنما البوّاب المشرف على الزيارة. وتظل التورية شائعة على ألسنة الشاميين، ويشيد الحموى فى خزانته باستخدام الوداعى على بن المظفر المتوفى سنة ٧١٦ لها وإكثاره منها كقوله (٢):

قال لى العاذل المفنّد فيها ... يوم وافت فسلّمت مختاله

قم بنا ندّعى النبوّة فى العش‍ ... ق فقد سلّمت علينا الغزاله

وللغزالة معنيان: معنى قريب وهو الشمس ومعنى بعيد وهو صاحبته الجميلة التى تشبه الغزالة وهو المراد.

ويتتبع ابن حجة ما أخذه ابن نباتة من موائد التورية عند الوداعى، وبالمثل يتتبع ما أخذه الصفدى من ابن نباتة من تورياته البديعة، وكان الصفدى يعنى عناية شديدة باصطناع المحسنات البديعية وخاصة التورية والجناس، وله فيهما كتابان.

ومضى شعراء الشام-بعد الصفدى-كشعراء مصر يعنون بتلك المحسنات بقية زمن المماليك، يشترك فى ذلك فتح الدين بن الشهيد المتوفى سنة ٧٩٣ وعلى بن أيبك الدمشقى المتوفى سنة ٨٠١ وابن الأدمى المتوفى سنة ٨١٦ وابن حجّة الحموى صاحب الخزانة المتوفى سنة ٨٣٧. ويطرد اصطناع المحسنات البديعية فى أيام العثمانيين، ومن أهم ألوانها الاقتباس من القرآن الكريم وتضمين شطور أو أبيات فى قصيدة الشاعر لشعراء سابقين، وقد اقتبس الصاحب شرف الدين عبد العزيز الأنصارى فواصل «سورة الشمس» فى قطعة غزلية له مستهلا لها بقوله (٣).

قسما بشمس جبينه وضحاها ... ونهار مبسمه {(إِذا جَلاّها)}


(١) خزانة الأدب للحموى ص ٣٣٤
(٢) الخزانة ص ٣٤٣
(٣) ديوان الصاحب شرف الدين الأنصارى (نشر مجمع اللغة العربية بدمشق-تحقيق د. عمر موسى) ص ٥١٥

<<  <  ج: ص:  >  >>