للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينوه بخلفائه الراشدين وبقية العشرة المبشرين بالجنة ومن اقتفوا سيرتهم حين كان الإسلام شامخا ويقول إنه انسحق بعدهم مشيرا إلى إخراج الإسبان للمسلمين من الأندلس، حتى صار بالمغرب الأقصى غريبا، إذ استكان سكانه-كما يقول-إلى القعود عن الجهاد، إلى أن استولى على صولجان الحكم يعقوب المنصور المرينى، فإذا هو ينازل الإسبان بقواته المرينية وقواده من أبنائه وأبناء رعيّته نزالا ضاريا طوال عشرين سنة والنصر يواكبه. وهذه القصيدة التاريخية الثانية للملزوزى تتغنى بهذه الانتصارات ليعقوب على الإسبان، وتفصّل أحداثها وما غنم يعقوب من الحصون الإسبانية هو وأبناؤه وقواده وما أنزلوه بهم من هزائم ساحقة فى نحو مائة بيت، يستهلها الملزوزى بقوله فى يعقوب ونزاله المتكرر للأعداء:

ولم يعلم جهاد للأعادى ... بهذى الأرض يحتسب احتسابا

إلى أن فتّح الرحمن فيه ... ليعقوب بن عبد الحقّ بابا

لمولانا أمير العدل ملك ... به انسلبت يد الكفر انسلابا

ولم نر قبله فى العصر ملكا ... أرانا فى العدا العجب العجابا

دعا لله دعوة مطمئنّ ... لمولاه دعاء مستجابا

فلبّى الله دعوته وسنىّ ... له الحسنى وجنّبه الصّعابا (١)

فجاز البحر مجتهدا مرارا ... يقود إلى العدا الخيل العرابا (٢)

وكأنى بالملزوزى حين نفى أن يكون قد سبق يعقوب جهاد من المغرب الأقصى لنصارى الإسبان إنما يريد أنه لم يحدث جهاد لهم فى عهد الدولة المرينية قبله، إذ نحن نعرف جهاد الموحدين لهم قبل تلك الدولة وما أنزلوا بهم فى الأرك وغير الأرك من هزائم ساحقة. ويقول إن الله فتح له فى الجهاد بابا بل أبوابا، ويشيد بعدله ومحقه لجيوش الإسبان محقا، وكأنما دعا الله أن ينصره واستجاب دعاءه، فيسّر له الحسنى من الفتوح حين جاز الزقاق مرارا للجهاد، يقود إلى الأعداء الخيل العربية الأصيلة فألبسهم هو وبنوه وقواده ذلا ما بعده ذل. ويسترسل فى ذكر الوقائع وقوادها وكيف أوسعوا بعض بلاد الإسبان حرقا وانتهابا، ويتحدث عما ساقوه من الغنائم والأسلاب مع الإشادة بيعقوب وبلائه البلاء المستطاب، ويختم قصيدته مخاطبا بنى مرين بقوله:

هنيئا يا مرين لقد علوتم ... على الأملاك بأسا وانتخابا (٣)

وفاخرتم بمولانا البرايا ... فأعطوكم قيادا وانغلابا

أبعد الفنس وابن الفونس يبغى ... رضاكم لا يخاف به العتابا (٤)


(١) سنى: يسّر
(٢) العراب: الكريمة الأصيلة.
(٣) انتجابا: نجابة واصطفاء.
(٤) يريد ألفونس العاشر وابنه شانتو.

<<  <  ج: ص:  >  >>