للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رمت أن ترقى سريعا ... فتردّيت صريعا (١)

ربما اصطاد بغاث ... شبعا واصطدت جوعا (٢)

ولقد غال حبيبا ... منك ما غال صريعا

وهو يختار للشعر من الطير الغراب الذى كان يتشاءم به العرب، وكأنه مصدر شؤم كبير، ولذلك يتمنى له أن تقصر به أجنحته، فيقع ويطيل الهجوع حتى لو استقبله سيد شهم ويعجب أنه لا يقتنص عزا فلماذا يقتنص الخضوع، مهما أمّل معه الرقى السريع إذ سرعان ما يهوى صريعا. وقد يصيد شويعر، بينما لا يصيد الشاعر الكبير سوى الجوع والحرمان، بل لقد يغتاله المديح كما اغتال أبا تمام الملقب بحبيب ومسلم بن الوليد الملقب بصريع الغوانى الشاعرين المبدعين اللذين أضاعا شعرهما فى الثناء على ممدوحيهم. وكان ابن حبوس ظريفا فلم يتعرض لشخص بعينه، وإنما تعرض بعامة للحاسدين والهجائين والعيّابين الذين يكثرون بين الناس منشدا (٣):

أعدّ لنابحيك عصا ... وأقضم ماضغيك حصا (٤)

وغمّض عينك النّجلا ... ء حتى تنعت الحوصا (٥)

وهزّ لمعشر سيفا ... وهزّ لآخرين عصا

لقد رخص الإخاء وأه‍ ... ون الأعلاق ما رخصا

وقد ذهب الوفاء فلا ... يقول مغالط نقصا

وهو ينصح الشخص أن يعد عصا لكثرة النابحين حوله الذين ينكرون فضله، ويقول أطعم من يمضغون لحمك هاجين وذامين حصا، وغمض عينك البصيرة عن أخلاق الناس الذميمة حتى تنعت بالحوص وضيق العين وأنك لا تكاد تبصر شيئا. والناس صنفان: صنف يلقى بالسيف وصنف يلقى بالعصا. ولقد رخص الإخاء حتى ابتذل ولم يعد موجودا وذهب معه الوفاء كاملا دون أوبة. ولمالك بن المرحل المرينى المتوفى سنة ٦٩٩ للهجرة قصيدة تصور زواجه بمدينة سبتة من امرأة وصفت له بالجمال والحسن البارع ووجدها قبيحة بالغة القبح، ويطيل فى وصف ما قيل له من جمالها الساحر، وبالمثل فى وصف قبحها وأنها قرعاء حولاء فطساء صماء بكماء عرجاء، ويقول إنه ولّى هاربا منها حين لاح الصباح، وهى قصة أراد بها إلى الهزل والمجانة.


(١) ترديت: سقطة.
(٢) البغاث: طير صغير.
(٣) النبوغ المغربى ٣/ ٢٥٢.
(٤) أفضم: أطعم. ماضغيك: الذين يمضغونك ذامين.
(٥) الحوص: الأحوص وهو ضيّق مؤخر العين.

<<  <  ج: ص:  >  >>