للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رنين الباكيات بهم ثكالى ... وعاوية ومسقطة جنينا (١)

وهو يعيرهم بيوم «بهت» الذى هزموا فيه مع نبيهم أبى عفير، ويقول لأهل برغواطة إنهم خسروا وخابوا وضلوا ضلالا مبينا إذ تبعوا متنبّئا كذابا من أعداء الله ورسوله ودينه الحنيف، فأخزاهم الله، وحرمهم مياه الجنة المعين الصافى العذب. ولقد كتب الله عليهم هزيمة ساحقة لهم ولنبيهم يوم بهت، وفرت خيلهم لا بفرسانهم إذ قتلوا شر قتل وإنما بنسائهم يعولن ويبكين ويندبن من فقدنهم من الأزواج والأبناء، وبلغ من حزنهن أن الحوامل منهم لكثرة عويلهن كن يسقطن أجنتهن فزعا ورعبا. وكثيرا ما كان يعدل الهاجى عن هجاء شخص بعينه إلى هجاء قومه أو هجاء بلدته من مثل هجاء الجراوى-وقيل إنها لغيره-بنى غفجوم قومه متوسلا بذلك إلى هجاء أهل فاس وخاصة عشيرة بنى ملجوم إذ يقول (٢):

يا بن السبيل إذا مررت بتادلا ... لا تنزلنّ على بنى غفجوم

أرض أغار بها العدوّ فلن ترى ... إلا مجاوبة الصّدى للبوم

قوم طووا ذكر السماحة بينهم ... لكنهم نشروا لواء اللّوم

لا حظّ فى أموالهم ونوالهم ... للسائل العافى ولا المحروم (٣)

لا يملكون إذا استبيح حريمهم ... إلا الصّراخ بدعوة المظلوم

يا ليتنى من غيرهم ولو اننى ... من أهل فاس من بنى الملجوم

وهو يقول للضيف الطارق المار بمدينة تادلة لا تفكر فى النزول على بنى غفجوم لبخلهم وشحهم، وإنها لأرض كريهة خرّبها الأعداء حتى لا تجد فيها إلا صياح البوم وأصداءه، ولقد طووا راية السماحة والخلق الكريم بينهم ونشروا لواء اللؤم والدناءة غير مستجيبين لطالب معروف ولا لفقير محروم. وهم فى غاية الجبن، حتى إنهم لو استبيح حريمهم ما ثاروا ولا فزعوا إلى حمل السلاح، بل فزعوا إلى الصراخ يدعون فعل النساء والمظلومين. ويقول ليته لم يكن منهم لما يحملون من هذه المساوئ الذميمة حتى لو كان من أهل فاس وبنى الملجوم اللؤماء، وهى سخرية لاذعة. وكاد الهجّاءون لا يتركون بلدة دون هجاء، فهم يهجون مراكش ويهجون مدينة القصر الكبير وغيرهما من مدن المغرب الأقصى الجميلة. ولهم فى الهجاء طرائف، فمن ذلك هجاء ابن حبّوس شاعر الموحدين لفنه الشعرى قائلا (٤):

يا غراب الشعر لاطر ... ت ومنّيت الوقوعا

فإذا استيقظ شهم ... قرم زدت هجوعا

هبك لا تقنص عزّا ... لم تقنّصت الخضوعا


(١) ثكالى جمع ثاكل: فاقدة الزوج أو الولد.
(٢) النبوغ المغربى ٣/ ٢٥٣.
(٣) السائل العافى: طالب المعروف.
(٤) الوافى ١/ ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>