للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغامرة تقف معهم؛ لأنهم أصحاب الدولة وفى أيديهم خزائنها وأموالها يكيلون لهم منها كيلا، فكان طبيعيا أن يكثر مدّاحهم ودعاتهم، بل إن كثيرين من شعراء الشيعة أنفسهم كانوا يظهرون غير ما يبطنون، فيمدحون هذا الخليفة العباسى أو ذاك لقاء ما ينشر عليهم من دراهم ودنانير. وكان منهم الخليفة المعتدل الذى لا يحمل على البيت العلوى ولا يضطغن مثل المنتصر، وكان منهم المتحامل المبغض مثل أبيه المتوكل أول خلفاء هذا العصر، وقد مرّ بنا أمره بحرث قبر الحسين ومحو أرضه ومنع الناس من زيارة مكانه وكذلك زيارة قبر أبيه فى النجف، وغدا آل أبى طالب فى محنة عظيمة طوال عهده يخافون على أنفسهم من القتل أو من المجلس. وتقرّب إليه غير شاعر من مثل على بن الجهم بشتم على رضى الله عنه كما أسلفنا، إما نصّا وإما تعريضا كقول الجمّاز أحد ندمائه (١):

ليس لى ذنب إلى الش‍ ... يعة إلا خلّتين

حبّ عثمان بن عفّا ... ن وحبّ العمرين

يريد بالعمرين أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب، ملوّحا بأنه من أهل السنّة، وأنه على مذهب المتوكل فى التّسنّن ومقت الشيعة. وفتح المتوكل أبوابه للشعراء كى يمدحوه ويمدحوا بيته ويبرهنوا على أنه هو البيت الوارث حقّا للخلافة، ملوّحين فى وجوه العلويين ومن يقفون معهم من الشيعة. وعرف الشعراء فيه هذا الجانب، فاستغلوه يقدمهم ابن الجهم ومروان بن أبى الجنوب وغيرهما كثيرون، وأتوه من كل فجّ من الشام والموصل والكوفة والبصرة والجزيرة العربية. وكان ممن أقبل عليه من الكوفة أبو الشّبل البرجمىّ، حتى إذا دخل عليه أنشده قصيدة مؤلفة من ثلاثين بيتا استهلّها بقوله (٢):

أقبلى فالخير مقبل ... واتركى قول المعلّل

وثقى بالنّجح إذ أب‍ ... صرت وجه المتوكل

وما إن انتهى منها حتى أمر له بألف درهم لكل بيت، فانصرف بثلاثين ألف


(١) معجم الشعراء للمرزبانى (طبعة الحلبى) ص ٣٧٥.
(٢) الأغانى (طبع دار الكتب المصرية) ١٤/ ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>