للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

درهم. وكان يغدو ويروح وفى ركابه البحترى يمدحه فى كل مناسبة مشيدا بآبائه ووراثته لنور النبوة وإمامته وعهده وعدله، ويتحول إلى ما يشبه داعية له فى كل عمل من أعماله. ومن طريف ما نقرأ من مدائح للمتوكل عند غيره مدحة لإبراهيم بن المدبر وكان لا يزال شابّا يعمل فى دواوينه، فمرض المتوكل ثم عوفى، ودخل الناس على طبقاتهم يهنئونه بالإبلال من مرضه، ودخل إبراهيم، ولم يكد يقف بين يديه حتى أنشده قصيدة يهنئه فيها بسلامته مهللا مبتهجا مع المبتهجين المهللين، وفيها يقول (١):

اليوم عاد الدّين ع‍ ... ضّ العود ذا ورق نضير

يا رحمة للعالمي‍ ... ن ويا ضياء المستنير

يا حجة الله التى ... ظهرت له بهدى ونور

والمبالغة واضحة وكأننا بإزء غال من غلاة الشيعة يمدح إمامه، وقد لعبت فيما بعد كلمة «حجة الله» دورا كبيرا فى المذهب الإسماعيلى الفاطمى. وكان طبيعيّا أن يطرب المتوكل حين سمع القصيدة، فيأمر له بخمسين ألف درهم ويتقدم إلى وزيره عبيد الله بن يحيى أن يوليه عملا جليلا ينتفع به. وكان كثيرون يسيل لعابهم لمثل هذا العطاء الجزيل، حتى كبار الكتّاب من أمثال إبراهيم بن العباس الصوبى. وكانوا ما يزالون ينتهزون الفرص من الأعياد والمناسبات، وكان من أكبر هذه المناسبات عقد المتوكل البيعة لولاة العهود أبنائه الثلاثة: المنتصر فالمعتز فالمؤيد، وصنع لذلك موكبا ضخما، سار فيه مع أولاده حتى نزل القصر الذى سمّاه العروس وأذن للناس فدخلوا إليه، فلما تكاملوا بين يديه وقف الصولى بين الصّفّين، واستأذن فى الإنشاد فأذن له فقال (٢):

أضحت عرى الإسلام وهى منوطة ... بالنّصر والإعزاز والتأييد

بخليفة من هاشم وثلاثة ... كنفوا الخلافة من ولاة عهود


(١) أغانى (طبعة الساسى) ١٩/ ١١٤.
(٢) أغانى (طبعة دار الكتب) ١٠/ ٦٤ وانظر الطبرى ٩/ ١٨١ والديوان (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) مع محاميع شعرية أخرى ص ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>