للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبجر، ويتخذه طبيبا (١) له، ويبدو أنه كان قد تعرف عليه فى أثناء ولاية أبيه على مصر، فلما ولى الخلافة استقدمه وأسلم على يديه، وظل يعتمد عليه فى صناعة الطب. وربما دفع ابن أبى أصيبعة إلى هذا القول أيضا أنه أمر بنقل كتاب القس أهرون الإسكندرى فى الطب إلى العربية، ويبدو أنه كان قد نال شهرة فى علم الطب لزمنه، ومع ذلك لم يترجمه أحد علماء أنطاكية لعمر، وإنما ترجمه ما سرجويه (٢) البصرى. ولو أنه فكر حقا فى نقل التعليم-وخاصة تعليم الطب-إلى بلد بالشام لنقله إلى عاصمته دمشق كما صنع خالد بن يزيد بن معاوية.

على كل حال كان التراث اليونانى الفلسفى والعلمى معروفا-طوال زمن بنى أمية-فى أنطاكية وبعض مدن الشام وفى الأديرة، وأخذت تؤلّف بعض الكتب على ضوئه كما صنع خالد ابن يزيد بن معاوية، كما أخذت تنقل منه إلى العربية بعض الرسائل والكتب. ويروى أن سالما رئيس ديوان الإنشاء لهشام بن عبد الملك ترجم بعض رسائل أرسططاليس إلى العربية (٣)، ويذكر بروكلمان أنه ترجم-أيام الأمويين سنة ١٢٥ - كتاب مفتاح أسرار النجوم (٤). وكل ذلك يؤكد أن جو الشام كان مشبعا بالتراث اليونانى العلمى والفلسفى. وظل المعنيون بعلوم الأوائل يتنفسون فى هذا الجو طوال زمن الولاة العباسيين. ويبدو أن دمشق ظلت تعنى بها وبخاصة الطب، ومن أطبائها فى القرن الثانى الحكم (٥) بن أبى الحكم، وكان أبوه طبيب معاوية وقد عمّر طويلا حتى لحق القرن الثالث، وكان طبيبا مسيحيا عالما بأنواع العلاج والأدوية. وكان ابنه عيسى (٦) -على غراره-طبيبا، واستقدمته أم ولد للرشيد لعلاجبا، وله فى الطب كناش كبير.

ويبدو أنه أسّس فى دمشق مرصد كبير، إذ نرى المأمون يطلب مراجعة جداول بطليموس الفلكية على أرصاد تمت فى بغداد ودمشق، وقد طلب أن تقاس إحدى درجات خط الزوال (٧) ويعلق على ذلك بروكلمان بأن المسلمين استطاعوا ببحوثهم المستقلة أن يسبقوا معلميهم من الهنود والإغريق فى وقت قصير.

وظلت الشام تشارك فى حركة الترجمة للتراث اليونانى، ومن كبار مترجميها عبد المسيح (٨)


(١) ابن أبى أصيبعة ص ١٧١
(٢) إخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطى ص ٨٠، ٣٢٤
(٣) الفهرست ص ١٧١
(٤) تاريخ الأدب العربى لبروكلمان (طبع دار المعارف) ٤/ ٩٠
(٥) ابن أبى اصيبعة ص ١٧٦
(٦) ابن أبى أصيبعة ص ١٧٧
(٧) بروكلمان ٤/ ١٩٦ ويذكر القفطى ص ٢٨١ منجما خبيرا بالكواكب تولى الرصد للمأمون على جبل قاسيون بدمشق، انظر القفطى ص ٣٥٧
(٨) انظر فى عبد المسيح بروكلمان ٤/ ٩٥ ودى بور ص ٢٢ وعلوم اليونان لأوليرى ص ٢٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>