للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتب المصنفة، وعادة كان المصنف لكتاب يعرضه على عالم كبير إما من علماء الحرمين المقيمين وإما من العلماء المجاورين بالمدينتين. وقد ساق مؤلف كتاب العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين طائفة من التقريظات لمصنفاته فى ترجمته بالجزء الأول من كتابه (١)، وهى تصور مدى ما كان يأخذ به المقرّظون لكتاب أنفسهم بتنميق كلامهم أو شهاداتهم وبنائها على السجع وما يشيع فيه من جمال فى الجرس والأداء.

ولعل قطرا فى الجزيرة العربية لم تزدهر به الكتابة كما ازدهرت فى اليمن، ونلاحظ هذا الازدهار منذ عهد الدولة الصليحية الإسماعيلية (٤٣٩ - ٥٣٢ هـ‍) إذ كانت تتخذ لنفسها ديوانا للإنشاء، ومن كبار الكتاب فيه الحسين بن على بن القمّ الشاعر النابه الذى ترجمنا له بين الشعراء وله ديوان رسائل لما ينشر، وسنعرض لرسالة سياسية له وأخرى شخصية.

وقد ذيل السيد حسين بن فيض الله الهمدانى كتابه «الصليحيون والحركة الفاطمية فى اليمن» بطائفة من الرسائل المتبادلة بين الحكام الصليحيين والخلفاء الفاطميين، وهى رسائل نفيسة لا لما تصور من شئون السياسة فحسب، بل أيضا لما تصور من نشاط الكتابة الفنية وازدهارها فى اليمن منذ القرن الخامس الهجرى. وكان يعاصر الصليحيين دولة آل نجاح فى زبيد، ونجد بين أمرائها أديبا نابها هو جيّاش بن نجاح صاحب كتاب المفيد فى أخبار زبيد الذى اختصره عمارة اليمنى، وكان يضم شعراء زبيد وأدباءها، وقد وضع للكتاب مقدمة مسجوعة احتفظ عمارة بكثير منها. وأهم من ذلك أن عمارة يقول إنه كان له ترسل جيد بعيد من الكلفة وإنه رأى منه عدة مجلدات، ويقول إنه عمل ممتع، مقدما بذلك لترجمته فى المختصر. ومن فقهاء هذه الدولة الحسن بن أبى عقامة كما مرّ بنا، وكان شاعرا قتله جياش بن نجاح، ويقول الجندى عنه «إليه تنسب الخطب العقامية، وله شعر فائق، وترسل رائق» (٢). وبالمثل بعث بنوزريع بعدن (٤٧٦ - ٥٦٩ هـ‍) حركة أدبية قوية وكان لهم ديوان إنشاء اشتهر فيه غير كاتب مثل أبى بكر العيذى، وفيه يقول عمارة اليمنى فى صدر ترجمته بكتابه مختصر المفيد: «سمعت الشيخ الموفق أبا الخلال فى الأيام الفائزية (أيام الخليفة الفائز الفاطمى) والقاضى الجليس أبا المعالى عبد العزيز، وهما يومئذ صاحبا ديوان الإنشاء للدولة العلوية (الفاطمية) وما منهما إلا من يقول: لم يصل إلينا من الآفاق، ولا رأينا لكتّاب الشام والعراق، أحسن من مكاتبات ترد علينا من جزيرة اليمن من إنشاء الشيخ الأديب الفاضل أبى العتيق أبى بكر بن محمد العيذى بعدن فإن له بلاغة تشهد عذوبة مطبوعها بكرم ينبوعها، وألفاظا تدل معانيها على فضل معانيها» وكان شاعرا


(١) العقد الثمين ١/ ٣٤٧ وما بعدها.
(٢) انظر الجندى فى السلوك-النكت ٦٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>