باسم الخراج سوى ما يكلفونهم من المغارم والجبايات مما كثر معه-كما يقول ابن خلدون- عيثهم فى أموال البربر وجورهم عليهم، بحيث أصبح لا مفر من ثورتهم على هؤلاء الحكام الباغين الظالمين المعطلين لتعاليم الإسلام. لذلك كان طبيعيا أن ينتشر فى المغرب الأقصى مذهب الصفرية وأن تعتنقه القبائل هناك، تعتنقه قبيلة مضغرة وشيخها ميسرة وقبيلة مكناسة وشيخها سمكو بن واسول وقبيلة برغواطة وبعض قبائل زنانة وتغلغل فى بعض المدن فى جماعات السودان القاطنين جنوبى الصحراء وجميع أرجاء المغرب الأقصى. وأجمع دعاة الصفرية فيه على زعامة ميسرة شيخ قبيلة مضغرة، وبويع بالإمامة، وزحف بجموع الصفرية إلى طنجة، فاستولى عليها وقتل عاملها عمر بن عبيد الله المرادى، وعين عليها واليا من قبله، واتجه بجموعه إلى السوس فقتل واليها إسماعيل بن عبيد الله بن الحبحاب ودانت له، وتمت له بذلك السيطرة على جميع المغرب الأقصى.
وعرف ذلك عبيد الله بن الحبحاب، فبادر بإرسال جيش بقيادة خالد بن حبيب الفهرى فالتقى بميسرة وجيشه قرب طنجة، ودارت بينهما معركة حامية الوطيس، رجحت فيها كفة خالد، فانسحب ميسرة إلى طنجة، ولم يعجب ذلك أتباعه من الصفرية، فنحّوه عن قيادتهم وولوها خالد بن حميد الزناتى كما ولوه الإمامة سنة ١٢٣ هـ/٧٤٠ م وأخذ يعد جيشا للقاء خالد الفهرى، ونصب له ولجيشه كمينا على نهر شلف شمالى تاهرت، ودارت معركة حامية انتهت بالقضاء على جيش خالد الفهرى قضاء مبرما وكان فيه كثير من أشراف العرب فسميت معركة الأشراف لكثرة من مات فيها من حماة العرب وفرسانهم وكماتهم وأبطالهم. وغضب هشام بن عبد الملك لهذه الهزيمة الساحقة ونحّى عبيد الله بن الحبحاب عن ولاية المغرب، وولّى عليه كلثوم بن عياض القشيرى، وأعانه بابن أخيه بلج بن بشر، وبعث معه جيشا ضخما عداده ثلاثون ألفا، وزحف بابن أخيه وهذا الجيش إلى خالد بن حميد الصفرى بطنجة، والتقيا جنوبيها، ودارت معركة ضارية انهزم فيها كلثوم وتوفى، فلجأ بلج إلى سبتة بعشرة آلاف من جنده، وحاصره خالد بن حميد والصفرية، واضطر إلى العبور بجيشه إلى الأندلس.
ونشبت ثورات للبربر فى جميع الديار المغربية، وولّى هشام بن عبد الملك عليه حنظلة بن صفوان سنة ١٢٤ هـ/٧٤١ م، وتطاير شرر كثير من دعوة الصفرية إلى المغربين الأوسط والأدنى، وأخذ يعتنقها كثيرون فى المغرب الأوسط بين قبائل نفزة وزنانة، ويفاجأ حنظلة بقائدين صفريين كبيرين هما عكاشة بن محصن الفزارى وعبد الواحد بن يزيد الهوارى يحشدان جموع الصفرية فى الزاب بالجزائر لحربه، واتفقا على أن يتخذا طريقين لمهاجمة القيروان: عكاشة من الجنوب، وعبد الواحد من الشمال، وعلم حنظلة بخطتهما فأسرع بلقاء عكاشة وسحق جيشه، وعاد إلى القيروان وأخذ يستعد للقاء عبد الواحد، ونجح فى استمالة أهل القيروان وفى مقدمتهم الفقهاء، ووزّع عليهم جميعا السلاح، وبثّ القصاص والقراء يحرضون