للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الجهاد، وبرز نساء القيروان فعقدن الألوية وأخذن معهن السلاح، وعزمن على القتال واستبسلن للموت مع الرجال، وحلفن لأزواجهن لئن انهزم أحد منكم إلينا موليا عن العدو لنقتلنه، فامتلأ الجيش حماسة وحمية، ودارت المعركة وهزمت الصفرية هزيمة ساحقة قتل منهم فيها مائة وثمانون ألفا.

وكان المغرب الأقصى حينئذ هادئا بإمامة خالد بن حميد الزناتى، وخلفه على إمامة الصفرية وزعامتهم أبو قرة المغيلى، ويقال إنه حضر مع عبد الواحد الهوارى معركة القيروان وفر حين تراءت له الهزيمة. ونفاجأ سنة ١٣٩ هـ‍/٧٥٦ م بقبيلة ورفجومة الصفرية أشد قبائل نفزة بأسا بأوراس تستولى على القيروان وتستحل المحارم وترتكب العظائم كما يقول الرقيق القيروانى إذ ربطوا دوابهم فى المسجد وهتكوا عرض بعض النساء. وكل ذلك غريب على دعوة الصفرية فهى فقط تكفر مرتكب الكبيرة وتستحل قتال المسلمين ولكنها لا تستحل ارتكاب العظائم، ولعل ذلك ما جعل أهل المغرب الأقصى فيما بعد ينصرفون عنها وعن دعاتها بينهم كما جعل أبا الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافرى زعيم الإباضية فى طرابلس وجبل نفوسة حين علم بما يرتكبون من المآثم فى القيروان ينازلهم ويقاتلهم حتى يقضى عليهم سنة ١٤١ هـ‍/٧٥٨ م وولّى عليها عبد الرحمن بن رستم أحد قواده. وسرعان ما يهزم والى القيروان العباسى الجديد محمد بن الأشعث أبا الخطاب المعافرى فى موقعة فاصلة، وينسحب عبد الرحمن بن رستم من القيروان إلى الزاب ويؤسس به دولته الرستمية الإباضية فى تاهرت. وعلى أثر ما حدث من هزيمة الصفرية فى القيروان نجد أبا قرة الصفرى يكوّن له إمارة مستقلة بنواحى تلمسان. وفى الوقت نفسه نجد أحد زعماء الصفرية منذ التفافهم حول ميسرة، وهو أبو القاسم سمكو بن واسول ينشئ للصفرية دولة فى سجلماسة، ولم ينشئها فى طنجة ولا فى المناطق الساحلية والداخلية للمغرب الأقصى مما يدل على انصراف الناس فيهما عن تلك الدعوة، وخاصة بعد ما شاع عنهم فى احتلالهم للقيروان من استحلال المحارم وارتكاب العظائم وربط دوابهم فى المساجد.

وعلم ابن الأشعث أن أبا قرة يعدّ العدة فى تلمسان لمهاجمة الزاب والقيروان، فأرسل فى سنة ١٤٨ هـ‍/٧٦٥ م الأغلب بن سالم التميمى على رأس جيش لمواجهة قواته، والتقى به وجموعه فى الزاب، واضطر أبو قرة إلى الانسحاب. وتولى المغرب عمرو بن حفص المهلبى سنة ١٥٠ هـ‍/٧٦٧ م ونازل الصفرية فى الزاب ونكّل بهم، وخلفه ابن عمه يزيد بن حاتم المهلبى سنة ١٥٤ هـ‍/٧٧٠ م وكان بطلا مغوارا فقضى على الصفرية فى المغرب الأوسط (الجزائر) قضاء نهائيا، وحاولت ورفجومة الثورة فقمع حركتها سنة ١٥٧ هـ‍/٧٧٤ م ويقال إنهم تفرقوا فى القبائل بعد هذه الحركة ولم يعد لهم كيان قبلىّ مستقل. ونشعر بوضوح أنه لم يعد للصفرية شأن يذكر فى المغربين الأوسط والأقصى بعد عهد يزيد بن حاتم المهلبى (١٥٤ - ١٧٠ هـ‍) فإن من بقى منهم انسحب إلى سجلماسة وحكامها الصفرية من بنى مدرار.

<<  <  ج: ص:  >  >>