بما يلزمه من السفن، ونشبت فى أيامه ثورة عنيفة لقبيلة جراوة الزناتية بجبال أوراس، وكانت تقودها كاهنة، فنازلها ولم يكتب له النصر، واضطر إلى الانسحاب إلى «سرت» انتظارا لمدد، وجاءه جيش جرار فهزمها وقتلت فى أثناء فرارها، وصالحهم على أن يكون ابنها الأكبر الوالى عليهم وأن يجنّدوا منهم اثنى عشر ألفا ليكونوا جزءا لا يتجزأ من جيشه، وكانت سياسة حكيمة فقد أصبح أهل المغرب رفقاء سلاح وأصبح منهم ولاة لا فرق بينهم وبين العرب فى شئ. وبذلك ملك قلوب المغاربة، وأخذ انتشار الإسلام يتسع فى المغرب الأقصى وفى كل مكان بالديار المغربية. وخلفه على القيروان وبلاد المغرب موسى بن نصير سنة ٨٦ هـ/٧٠٥ م فوضع نصب عينيه استكمال نشر الإسلام فى ربوع المغرب الأوسط والأقصى وأرسل حملات إلى أنحاء كثيرة ومعها فقهاء يعلمون الناس قواعد الإسلام وشريعته ثم نهض على رأس حملة كبرى اكتسحت البلاد المغربية حتى أقصى الغرب شمالا فى طنجة وجنوبا فى إقليم السوس، وخلّف فى النواحى التى لم يتم إسلامها فقهاء يعلمونهم شئون دينهم وفروضه ويحفظونهم القرآن الكريم، وأسلم فى أيامه كثيرون من البربر وأتم التنظيم الإدارى للديار المغربية، فولاية لبرقة هى عاصمتها، وولاية ثانية لإفريقية التونسية وشرقى المغرب الأوسط عاصمتها القيروان، وولاية لغربى المغرب الأوسط عاصمتها تلمسان، وولاية لبلاد السوس فى المغرب الأقصى عاصمتها سجلماسة، وولاية لبقية المغرب الأقصى حتى شماليّه عاصمتها طنجة، ولكل ولاية حاكمها من العرب أو البربر، وجعل حاكم طنجة بربريا هو طارق بن زياد، وأكثر من ذلك جعله قائدا لفتح الأندلس، وكان أكثر جيشه من البربر، ومعنى ذلك أنه ألغيت كل تفرقة بين العرب والبربر بحيث أصبحوا سواسية فى حكم المدن وفى قيادة الجيوش وفى الجهاد نصرة لدين الله وابتغاء نشره فى أطباق الأرض طلبا لما عند الله من الثواب. وبذلك لم يعد هناك أى فارق بين العربى والبربرى، فهما أخوان مسلمان يعملان على إعلاء كلمة الله. ونستطيع أن نقول إن فتح العرب للمغرب الأقصى والديار المغربية تم فى القرن الأول الهجرى وكان تمامه على يد موسى بن نصير والفاتحين العظيمين اللذين سبقاه حسان بن النعمان وعقبة بن نافع ولم يجعلوه فتحا حربيا بل جعلوه فتحا عقائديا أخويا لأمة وثنية أصبحت تدين بوحدانية الله، وأصبحت تستشعر اخوة للعرب أصحاب هذا الدين، فهى تشاركهم فى العمل تحت لوائه جهادا فى سبيله ونصرة لعقيدته وتعاليمه.
وتوفى الخليفة الوليد بن عبد الملك سنة ٩٦ هـ/٧١٤ م وخلفه أخوه سليمان بن عبد الملك وكان قصير النظر فعزل البطلين العظيمين: موسى بن نصير وطارق بن زياد عن عملهما فى الأندلس وغير الأندلس، وتوقف الفتح العربى فى شمال إسبانيا وجنوبى فرنسا، وخلفه عمر بن عبد العزيز الخليفة الصالح، فحاول أن يصلح أداة الحكم فى الدولة، وولّى على القيروان وديار المغرب فقيها هو إسماعيل بن عبيد الله حفيد أبى المهاجر الوالى فى فترتى عقبة