آلاف راجل، فجهّز المقتدر لحربه جيشا بقيادة يوسف بن أبى السّاج، والتقى الجيشان، ودارت الدوائر على ابن أبى الساج وجيشه، وأخذ أسيرا، وأسرع مؤنس بجيش كثيف فى نحو أربعين ألفا، وانضم إليه الحمدانيون وغيرهم من عرب العراق والموصل، والتقى بأبى طاهر وجيشه عند الأنبار، غير أن أبا طاهر انصرف راجعا إلى بلاده، ولم يواقعه مؤنس مع ما اشتهر به من شدة بأسه، وكأنما خشى على نفسه مغبّة الحرب، مما جعل أبا طاهر يرسل له بالأبيات التالية ساخرا منه سخرية شديدة (١):
وقد تمثلت عن شوق تقاذف بى ... بيتا من الشعر للماضين قد سارا
نزوركم لم نؤاخذكم بجفوتكم ... إن الكريم إذا لم يستزر زارا
وهو يهزأ به وبشجاعته التى عرف بها، ويقول له إنك لست من أهل الحرب والبأس، وإنما أنت من أهل الكاس والطاس وآلات الطرب من السرناى وغير السرناى، ويستمر فى هزؤه، فهو سيزوره ويزور بلاده للفتك به وبجنوده.
وتطغى أبا طاهر الجنّابى انتصاراته على جند الخلافة، ويغرّه بالله الغرور، ويشتهر عنه أنه لا يصلى ولا يصوم ولا يعرف حدود الله. وما يوافى شهر ذى الحجة فى سنة ٣١٧ حتى ينقل غاراته على الحجّاج من قوافلهم إلى البيت الحرام، وإذا السيوف تنوشهم وتسيل دماؤهم أنهارا يوم التّروية، وهم يهللون لربهم ويلبّون، وهو وأنصاره ينحرون فيهم، كأنهم كباش أعدّت للذبح، دون أى شفقة أو رحمة. ولم يكتفوا بمن ذبحوهم فى فجاج مكة، فقد دخلوا المسجد الحرام ينحرون ويذبحون والناس يتعلقون بأستار الكعبة وهم يمزقونها ويمزقون جلودهم بسيوفهم، ولا شفيع لهم ولا نصير من هذا الشيطان الرجيم. وبلغ من سفهه وخرقه أن أمر بطرح القتلى فى بئر زمزم، واقتلع الحجر الأسود من موضعه، وأخذه معه إلى هجر وظل بها حتى سنة ٣٣٩ إذ أعاده القرامطة إلى مكة خوفا من الخليفة المطيع وخشية من بأسه وبأس البويهيين. وجرّد أبو طاهر الكعبة من كل ما كان بها من تحف