أصبّحها فأتركها هشيما ... وأحوى ما حوته بها القصور
ومن ثوار القرامطة الشعراء أبو طاهر الجنّابى صاحب الأحساء والبحرين، وكان أبوه أبو سعيد من أنصار قرمط، وكلفه بنشر الدعوة فى جنوبى إيران، وأخفقت مساعيه، وعاد إلى قرمط، فأرسله إلى البحرين والأحساء، وسرعان ما استجابت له قبيلة عبد القيس. ودخلت المنطقة فى سلطانه منذ سنة ٢٨٦ للهجرة، وقتله غلام صقلبى فى سنة ٣٠١ فخلفه ابنه أبو طاهر، وعظم أمره، إذ واقع عساكر الخليفة المقتدر مرارا كما مرّ بنا فى الفصل الأول وفتك بغير جيش من جيوشه، واتسع ملكه فى شرقى الجزيرة العربية، وكثر أتباعه وجنوده، ونال ما لم ينله قرمطى قبله.
وكان يزعم أنه داعية عبيد الله المهدى الخليفة الفاطمى الإسماعيلى، وكان شأنه قد أخذ يعظم فى إفريقية، ولم يكن يدعو له حقيقة، بل كان يتخذ ستارا لخروجه على الخلافة العباسية. وكان كثيرا ما يغير على البصرة وينكّل بأهلها، ويسفك دماءهم، ويحرق دورهم كما يحرق المساجد. وكثيرا ما كان يغير على قوافل الحجاج يفتك ويقتل وينهب، وجيوشه تغدو وتروح إلى عاصمته «هجر» محمّلة بالأموال، فكان طبيعيّا أن يمتدّ به طمعه وطموحه إلى أن يستولى على بغداد، بل إلى أن يستولى على العالم الإسلامى كله وبلغ به تهويله على العامة أن كان يزعم لها أنه سيظل حيّا حتى ينزل عيسى من السماء بأخرة، وفى ذلك كله يقول من قصيدة طويلة مهددا متوعدا (١):
فمن مبلغ أهل العراق رسالة ... بأنى أنا المرهوب فى البدو والحضر
فياويلهم من وقعة بعد وقعة ... يساقون سوق الشّاء للذّبح والبقر
سأصرف خيلى نحو مصر وبرقة ... إلى قيروان التّرك والرّوم والخزر
أكيلهم بالسيف حتى أبيدهم ... فلا أبق منهم نسل أنثى ولا ذكر
أعمّر حتى يأت عيسى بن مريم ... فيحمد آثارى وأرضى بما أمر
وعزم فى سنة ٣١٥ على غزو بغداد، فخرج إليها فى ألف فارس وخمسة