للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفوق الرعية، فليس لأحد من كل هؤلاء الحق فى أى اعتراض على القاضى فى حكم من الأحكام، فمنذ صار ابن حمدين قاضى الجماعة فى قرطبة أصبحوا جميعا خاضعين له. وهو جانب مشرق فى القضاء الإسلامى، نجده فى كل بلد وكل دولة، إذ كانت مكانة القاضى فوق مكانة الحاكم مهما بلغ من النفوذ والسلطان. وعنى الدكتور محمود مكى فى المجلد السابع من صحيفة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد بتحقيق مجموعة من رسائل كتاب الديوان المرابطى فى عهد على بن يوسف بن تاشفين (٥٠٠ - ٥٣٧ هـ‍) بينها تسع رسائل لابن القصيرة من الرسالة الخامسة فى المجموعة إلى الرسالة الثالثة عشرة. والرسالة السابعة فى المجموعة أشبه بمنشور وجّهه على بن يوسف إلى أهل الأندلس بطاعة الوالى وأن لا يخالفوا عليه أو يعصوه فى أمر، إذ يقول فيها (١):

«إن الوالى النائب عنا فى تدبيركم وإقامة أموركم، وسياسة صغيركم وكبيركم، وقد فوّضنا إليه ذلك وأفردناه بالنظر فى دقّه وجلّه، وقلّه (٢) وكثره، وما فعل من ذلك كله فنحن فعلناه، وما قال فيه فكأننا نحن قلناه، ولا نوقف ما أمضاه، ولا نمضى ما وقّعه وأباه، ولا نرى فى أحد منكم إلا ما يراه، ولا نتولاّه كائنا ما كان إلا أن يتولاّه، ولا نرضى من أحواله ما لا يرضاه: بلساننا يتكلم، وعمّا فى جناننا يترجم، وعلى ما يوافقنا يسدى ويلحم» (٣).

وهذا التفويض للوالى فى الأحكام من حسن السياسة، فالحاكم الكبير-مثل على بن يوسف -يتضامن مع ولاته فى كل ما يفعلونه ويقولونه، حتى تنتظم أمور الرعية، ولا يتخذ الشذاذ الفرصة للخلاف مع الوالى مما قد يؤدى إلى الثورة. غير أنه كان ينبغى أن ينصح الولاة-مع ذلك-بالعدل مع الرعية ونصفة المظلوم والضعيف، وأن يفتحوا أبوابهم للرعية حتى يسمعوا شكوى كل مظلوم أو متظلم. ويقول عبد الواحد المراكشى فى حديثه عن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إنه اجتمع له ولابنه على من أعيان الكتاب وفرسان البلاغة ما لم يتفق اجتماعه فى عصر من الأعصار (٤)، وفى حديثه عن أمير المسلمين على بن يوسف يقول: «لم يزل من أول إمارته يستدعى أعيان الكتاب من جزيرة الأندلس، وصرف عنايته إلى ذلك حتى اجتمع له منهم ما لم يجتمع لملك كأبى القاسم بن الجد المعروف بالأحدب أحد رجال البلاغة وأبى بكر محمد بن محمد المعروف بابن القبطرنة وأبى عبد الله بن أبى الخصال وأخيه أبى مروان وأبى محمد عبد المجيد بن عبدون فى جماعة يكثر ذكرهم، وكان من أنبههم عنده وأكبرهم مكانة لديه أبو عبد الله محمد بن أبى الخصال، وحقّ له ذلك إذ هو أحد من انتهى إليه علم


(١) المجلد السابع من صحيفة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد.
(٢) الدق والقل: القليل. الجل: الكثير.
(٣) يسدى ويلحم: ينسج.
(٤) المعجب فى تلخيص أخبار المغرب ص ٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>