للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآداب، وله مع ذلك فى علم القرآن والحديث والأثر وما يتعلق بهذه العلوم الباع الأرحب واليد الطولى (١)، وله ديوان رسائل يدور بأيدى أدباء أهل الأندلس قد جعلوه مثالا يحتذونه ونصبوه إماما يقتفونه. وبمعهد المخطوطات بالقاهرة التابع للجامعة العربية نسخة من هذا الديوان، وله أربع رسائل ديوانية فى مقال د. محمود مكى فى المجلدين السابع والثامن من صحيفة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد بعنوان: «وثائق تاريخية جديدة عن عصر المرابطين» ونذكر قطعة من إحدى هذه الرسائل كتبها سنة ٥٠٧ للهجرة على لسان على بن يوسف بن تاشفين، وهى موجهة إلى أهل الأندلس لحثّهم على جهاد النصارى الإسبان وتعريفهم بأنه عزم على خوض معركة حامية الوطيس معهم، وفى أولها يقول:

«كتابنا-أعزّكم الله بتقواه، وكنفكم بظل ذراه، ووفّر حظوظكم من حسناه-من حضرة مراكش-حرسها الله-يوم الاثنين من منتصف شوال من سنة سبع وخمسمائة بين يدى حركتنا يمّن الله فاتحتها وعقباها. وقد قرعنا الظنابيب (٢)، وأشرعنا الأنابيب (٣)، وضمّرنا اليعاسيب (٤)، واستنفرنا البعيد والقريب، مستشعرين إخلاص نيّة، وصدق حميّة، فى نصر دين الإسلام، ومنع جانبه أن يضام، أو يناله من عدوه اهتضام (٥). ونحن-وإن كنا قد بالغنا فى الاحتشاد والاستعداد، واستنهضنا من الأجناد، ما يربى على الحصر والتعداد، فإنا نعتقد اعتقاد يقين بقول ربّ العالمين، فى كتابه المبين: {قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ}: إن استنفار الدعاء، واستفتاح أبواب السماء، بخالص الثناء، من أنفع الأشياء، وأنجح الدعاء، فيما أعضل (٦) من الأدواء».

ولعل فيما سبق من قيام كبار الكتاب فى الأندلس على الكتابة فى ديوان المرابطين بمراكش عشرات السنين ما يدل على أنهم وضعوا تقاليد الكتابة فى هذا الديوان وأرسوها فيه وظلت راسخة بعد عهدهم فى عهد الموحدين ومن جاء بعدهم، ويتوقف القلقشندى فى كتابه: «صبح الأعشى» ليذكر التقاليد المتبعة فى الكتب الصادرة عن الخلفاء الموحدين، ولا ريب فى أنها موروثة عن العهد السابق لهم عهد المرابطين، ويقول القلقشندى إنها كانت تتخذ أحد أسلوبين (٧): إما أن تفتتح بلفظ من فلان إلى فلان، وكان الرسم فيها أن يقال: «من أمير المؤمنين فلان» ويدعى له بما يليق به، ثم يؤتى بالسلام، ثم يؤتى بالبعدية والتحميد والصلاة على النبى صلّى الله عليه وسلم والترضية عن الصحابة ثم عن إمامهم المهدىّ، ثم يؤتى على المقصود، ويختم


(١) المعجب ص ٢٣٧.
(٢) قرع الظنابيب كناية عن الإسراع إلى الحرب.
(٣) أشرعنا الأنابيب: سدّدنا الرماح.
(٤) ضمّرنا اليعاسيب: ذللنا الخيل للحرب.
(٥) اهتضام: ظلم.
(٦) أعضل: أعجز. الأدواء: الأمراض.
(٧) صبح الأعشى ٦/ ٤٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>