للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأموالهم بأن لهم الجنة) فشمّروا عن ساعد الجدّ، معاشر المسلمين، فى جهاد المشركين. فمن مات منكم مات شريدا، ومن عاش عاش غانما مأجورا حميدا {اِصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاِتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

وهى كلمة فصلت من قلب مجاهد صادق أبلى فى سبيل دينه ونصرته بلاء عظيما، ويبشر جيشه بأن الجنة قد فتحت أبوابها لاستقبال الشهداء المبرورين، كما وعد الله عباده المجاهدين المؤمنين، ويدعوهم إلى الجهاد بكل ما يملكون من قوة، فإن من قتل منهم شهيدا فاز برضوان ربه، ومن عاش غنم من العدو غنما كبيرا، وأثابه الله ثوابا عظيما. ويذكرهم بآية كريمة تدعو إلى الصبر فى الحرب والمرابطة للعدو حتى النصر العظيم.

ومما أثر من خطب يوم الجمعة ومواعظها لأبى عبد الله محمد الرّهونى الفقيه المالكى الكبير المتوفى سنة ١٢٣٠ هـ‍/١٨١٥ م وكان قد اشتغل بالخطابة الدينية والموعظة، وله مجموعة فى خطب الجمعة، ومن خطبة له فى التذكير والترغيب (١):

«أيها الناس: حصحص (٢) لكم الحق فتبصّروا، وتبين لكم الرشد من الغىّ فالزموا الطاعة وتذكروا، وحملتم على سلوك الطريق المستقيم فاستقدموا ولا تتأخّروا، وحذّرتم من العدول عنه فخافوا الله واحذروا، وأسبغت عليكم النعم ظاهرة وباطنة فاعرفوا حقّها واشكروا، واعلموا أن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا، وإياكم والتقصير فى العمل فلن تسعدوا مع التقصير أو تعذروا، وكونوا من قوم أشرقت لهم أنوار الهداية فأبصروا، وتليت عليهم آيات الله فتدبّروا، ولا تكونوا ممن استعبدتهم الدنيا فشربوا من كئوس حبّها حتى سكروا، وقطعوا أعمارهم فى اتباع شهواتها فخابوا وخسروا، وانهجوا سبيل الذين استعدوا لمواطن القيامة كأنهم شاهدوا أهوالها وحضروا، ورأوا عذاب النار فكفّوا أنفسهم عن السوء وانزجروا، وسمعوا ما أعدّ الله لأوليائه فى الجنة فاجتهدوا بالطاعة وبادروا».

وواضح أن الرهونى يحسن رصف السجع فى خطبه، ويحاول أن يستتم جرسها بما التزم فى نهاية عباراتها من حرف الراء المضمومة، فهو يريد أن يخلب الأسماع بحسن بيانه وإحكام التقابل فى نهايات الأسجاع، وليس ذلك فحسب، فهو يعنى بلغته فيختار لها ألفاظا رصينة جزلة تحسّن وقعها فى آذان المستمعين. وهو بجانب عنايته باختيار ألفاظه وانتخابها يوفر فيها ألوانا من الطباق المستحسن مثل: «بيّن لكم الرشد من الغى» وقوله: «فاستقدموا ولا تتأخروا» وقوله: «وأسبغت عليكم النعم ظاهرة وباطنة». ولا ريب فى أن الرهونى كان خطيبا فذا


(١) النبوغ المغربى ٢/ ٤١.
(٢) حصحص الحق: ظهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>