للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقياس أو الاجتهاد العقلى فى الأحكام الفقهية والاكتفاء بالكتاب أى القرآن والسنة أى الحديث النبوى. وأخذ بهذا المذهب فى كتبه ابن حزم الفقيه الأندلسى وأخذ به الموحدون كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع، وانتصر للموحدين كثيرون من الشعراء والكتاب والفقهاء والخطباء. وللقاضى أبى حفص عمر السلمى خطبة ينتصر فيها للمذهب الظاهرى ضد المذاهب الأخرى، وفيها يقول (١):

«إياكم والقدماء وما أحدثوا فإنهم عن عقولهم حدّثوا، أتوا من الافتراء بكل أعجوبة، وقلوبهم عن الأسرار محجوبة. الأنبياء ونورهم-لا الأغبياء وغرورهم-عنهم يتلقّى، وبهم يدرك السؤل: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) الدين عند الله الإسلام، والعلم كتاب الله وسنة محمد صلّى الله عليه وسلم، ما ضرّ من وقف عندهما ما جهل بعدهما».

وظن بعض من قرأ فى هذه الخطبة كلمة القدماء أنه يريد الفلاسفة وهو إنما يريد الأسلاف من الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، فهو يدعو دعوة الموحدين من إهمال فقههم وفتاويهم جميعا، والرجوع إلى الكتاب والسنة كما يقول الموحدون وأهل الظاهر فى عصره، وهو لا يخفى ذلك بل يعلنه إعلانا، إذ يقول «العلم كتاب الله وسنة محمد صلّى الله عليه وسلم» ويقول فى موعظة له (٢): «لا علم إلا علم الكتاب والسنة، هما أفضل العطايا والمنة».

ونلتقى بالمنصور المرينى يعقوب بن عبد الحق ٦٥٨ هـ‍/١٢٦٠ م-٦٨٥ هـ‍/١٢٨٧ م وكان بطلا مغوارا وكأنما نذر نفسه لحرب نصارى الإسبان مساعدة للمسلمين وبنى الأحمر فى إقليم غرناطة. وكان لا يزال يعد العدة من الخيل والسلاح ويعبر الزقاق مع جنوده الأشداء لغزو حصون النصارى بإسبانيا ومدنهم، وكان ما يأخذه منهم يعطيه لبنى الأحمر، أمراء غرناطة فهو لا يحاربهم طلبا لمغنم، وإنما لما عند الله من ثواب المجاهدين فى سبيل دينه ونصرته. وأول سنة عبر فيها الزقاق بجنوده سنة ٦٦٤ هـ‍/١٢٦٦ م وعاد إلى عبوره بجيش كثيف سنة ٦٧٧ وأبلى فى الحرب حينئذ بلاء عظيما، وبالمثل فى سنة ٦٨١ هـ‍/١٢٨٢ م واستولى على بعض حصونهم وتركها لبنى الأحمر، وفى سنة ٦٨٥ هـ‍/١٢٨٦ م عبر الزقاق لجهاد النصارى وهزم نونيو جونذالث دى لارا جنوبى قرطبة هزيمة ساحقة. وفى أوبته أدركته المنية بالجزيرة الخضراء، وله من خطبة يحث فيها جيشه على الجهاد (٣):

«يا معشر المسلمين وعصابة المجاهدين: إن هذا يوم عظيم، ومشهد جسيم، ألا إن الجنة قد فتحت لكم أبوابها، فخذوا فى طلابها، فإن الله (اشترى من المؤمنين أنفسهم


(١) النبوغ المغربى ٢/ ٣٧.
(٢) أزهار الرياض للمقرى ٢/ ٣٥٩.
(٣) النبوغ المغربى ٢/ ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>