قسمة عادلة ما تغنمون من عدوكم وتؤدون إليه زكاتكم. وهكذا ظل الشيخ عبد الله بن ياسين ينصح للمرابطين حتى الأنفاس الأخيرة من حياته.
ومر بنا أن محمد بن تومرت المصمودى مؤسس دعوة الموحدين قد اقترض لنفسه من دعوة الشيعة الإمامية التى تعرّف على مبادئها أثناء مقامه بالعراق ثلاثة مبادئ هى أنه إمام ومهدى ومعصوم، واقترض من مبادئ المعتزلة التى تعرف عليها هناك مبدأ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ومبدأ التوحيد، وهو عند المعتزلة يعنى نفى التشبيه بالمخلوقات عن الذات العلية نفيا باتّا معارضين بذلك أهل السنة الذين يرون عدم تأويل الآيات القرآنية التى يفهم منها التشبيه مع الإيمان بترك ذلك لله جلّ شأنه. ومن خطية لابن تومرت قوله (١):
«إن الله-سبحانه وله الحمد-منّ عليكم أيتها الطائفة بتأييده، وخصّكم من بين أهل العصر بحقيقة توحيده، وقيّض لكم من ألفاكم ضلاّلا لا تهتدون، وعميا لا تبصرون، لا تعرفون معروفا ولا تنكرون منكرا، قد فشت فيكم البدع، واستهوتكم الأباطيل وزيّن لكم الشيطان أضاليل، وترّهات، أنزّه لسانى عن النطق بها، وأربأ بلفظى عن ذكرها، فهداكم الله بعد الضلالة، وبصّركم بعد العمى، وجمعكم بعد الفرقة، وأعزّكم بعد الذلّة، ورفع عنكم سلطان هؤلاء المارقين، وسيورثكم أرضهم وديارهم. ذلك بما كسبته أيديكم وأضمرته قلوبهم، وما ربّك بظلام للعبيد».
وابن تومرت فى هذه القطعة من خطبته يشير إلى مبدأين تعتنقهما جماعته هما المبدئان الاعتزاليان اللذان أشرنا إليهما: مبدأ التوحيد، ويقول إن الله خصّهم من بين أهل العصر بحقيقة توحيده، ويقصد-كما قلنا آنفا-أنه منزّه عن التشبيه بالمخلوقات، ويقول إن الله خصّهم بذلك من بين أهل العصر ويريد المرابطين وفقهاءهم من أهل السنة الذين لا يتأولون آيات التشبيه المذكور فى القرآن الكريم من مثل (يد الله فوق أيديهم) ويقولون علم ذلك عند الله بينما يتأول المعتزلة اليد بمعنى القدرة. والمبدأ الاعتزالى الثانى الذى أشار إليه ابن تومرت هو ما يزعمه دائما من أن خصوم جماعته من المرابطين لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا، أما أتباعه الموحدون فهم-فى رأيه دائما-يأمرون بالمعروف وينكرون المنكر، ولا يلبث أن يسميهم -لعدم أخذهم بهذين المبدأين-مارقين عن الدين خارجين عليه، ينبغى حربهم ومحو سلطانهم، ويعد أصحابه بأنهم سيزيلون هذا السلطان ويرثون أرضهم وديارهم.
وكان الموحدون يدعون للأخذ فى الفقه بمذهب داود الظاهرى القائل بإلغاء الإجماع