للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان حكمه حكما عادلا رشيدا. وهدم يوسف بن تاشفين أمير المرابطين ما كان بين مدينتى فاس من أسوار وجعلهما مدينة واحدة، وأقام على النهر الفاصل بينهما جسورا يمكن الانتقال من إحداها إلى الأخرى بسهولة.

ومرّ بنا فى نشأة دولة المرابطين أن أصلهم من قبيلة صنهاجة التى كانت تشغل الصحراء جنوبى المغرب وبعض بقاع إفريقيا المدارية السوداء حتى السنغال، وكانوا يعيشون معيشة بدوية واتخذوا اللثام على وجوههم شعارا لهم، ولذلك يسمون الملتمين، ولم يكونوا يعرفون تعاليم الإسلام معرفة قويمة، فجلب لهم رئيسهم يحيى بن إبراهيم الكدالى-كما مرّ بنا-الشيخ عبد الله بن ياسين ليقفهم بدقة على تعاليم الإسلام وسرعان ما أصبح زعيمهم الدينى بجانب يحيى الكدالى الزعيم الحربى، ودفعهم الشيخ ابن ياسين جنوبا لنشر الإسلام وشمالا لجمع كلمة المسلمين فى تلك الأراضى النائية. واستولت صنهاجة بزعامته الدينية على إقليمى سجلماسة والسوس، ودفعها شمالا على المحيط لقتال برغواطة وكانت قد ظلت-منذ الأيام الأولى لدولة الأدارسة-خارجة على الإسلام، وتنبأ فيها متنبئون وآمنوا بهم، واتجهت إليهم جيوش صنهاجة. . وتوفى يحيى الكدالى فخلفه فى القيادة الحربية لصنهاجة أخوه أبو بكر واستطاع استئصال شأفة البرغواطيين سنة ٥٥٣ غير أن عبد الله بن ياسين طعن طعنة قاتلة فى إحدى المعارك سنة ٥٥١ فخطب فى صنهاجة وهو مشرف على الموت، ومما قال فى خطبته، وكان قد سماهم المرابطين أى للجهاد فى سبيل الله ونصرة دينه (١):

«يا معشر المرابطين! إنكم فى بلاد أعدائكم، وإنّي ميّت فى يومى هذا لا محالة، فإياكم أن تجبنوا أو تفشلوا فتذهب ريحكم، وكونوا ألفة وأعوانا على الحق وإخوانا فى ذات الله تعالى. وإياكم والمخالفة والتحاسد على طلب الرياسة فإن الله يؤتى ملكه من يشاء ويستخلف فى أرضه من أحبّ من عباده. ولقد ذهبت عنكم فانظروا من تقدّمونه منكم يقوم بأمركم: يقود جيوشكم ويغزو عدوكم ويقسم بينكم فيئكم، ويأخذ زكاتكم وأعشاركم».

وهو يناديهم باسم المرابطين حثا على جهاد برغواطة المارقة، ويقول لهم إنكم تواجهون أعداءكم فاحذروا أن تجبنوا فى حربهم، فيقضوا عليكم القضاء المبرم، وينصحهم أن يتعاونوا على نصرة الحق وأن يكونوا إخوانا فى ذات الله ينشرون دينه الحنيف، كما ينصحهم أن يبتعدوا عن هذا المرض الخبيث: مرض التحاسد على طلب الرياسة، فإنه لم يهلك الدول العربية مرض مثله، ويقول إن الله يؤتى ملكه من يشاء فلا داعى للتحاسد والتباغض. ويقول: لقد انتهيت وذهبت عنكم فاختاروا لكم زعيما عادلا ذا بأس وقوة يقود جيوشكم ويغزو عدوكم ويقسم


(١) النبوغ المغربى ٢/ ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>