للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جماعة منهم، وأوثقهم بالحديد، وحملهم معه إلى الحيرة، وهناك ألقى بهم فى سرداب تحت الأرض عند قنطرة الكوفة لا يعرفون ليلا ولا نهارا حتى ماتوا جميعا. ولا نصل إلى شهر رجب من سنة ١٤٥ حتى يعلن محمد بن عبد الله ثورته (١) ويغلب على المدينة وكان يحيى بن زيد بن على زين العابدين قد فوّض له الأمر من بعده (٢)، وأخيرا رأى إعلان الثورة على المنصور، وهى أول ثورة للزيدية. ويفزع المنصور فيكتب إليه كتابا يعرض عليه فيه الأمان له ولأهله وأن يعطيه ألف ألف درهم وينزل على أى بلد شاء. ويردّ عليه محمد بكتاب طويل يصور فيه اغتصابهم للخلافة من دون أصحابها الشرعيين فى رأيه قائلا: «إن الحق حقنا وإنكم إنما طلبتموه بنا ونهضتم فيه بشيعتنا. . وإن أبانا عليّا كان الوصى والإمام فكيف ورثتموه دوننا ونحن أحياء. . وإن الله تبارك وتعالى لم يزل يختار لى، فولدنى من النبيين أفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أصحابه أقدمهم إسلاما وأوسعهم علما وأكثرهم جهادا على بن أبى طالب، ومن نسائه أفضلهن خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله وصلّى للقبلة، ومن بناته أفضلهن وسيدة نساء أهل الجنة». ولم يكد المنصور يقرأ هذا الكتاب حتى ردّ عليه بكتاب نقض فيه حجج النفس الزكية نقضا قائلا: «بلغنى كلامك فإذا جلّ فخرك بالنساء لتضلّ به الجفاة والغوغاء ولم يجعل الله النساء كالعمومة ولا الآباء كالعصبة (٣). . وإنكم بنو ابنة رسول الله وإنها لقرابة قريبة، غير أنها امرأة لا تحوز الميراث، ولا يجوز أن تؤمّ (فى الصلاة) فكيف تورث الإمامة من قبلها. . وأفضى أمر جدك إلى أبيك الحسن، فسلّمه إلى معاوية بخرق ودراهم، وأسلم فى يديه شيعته. . فإن كان لكم فيها شئ فقد بعتموه. . ولقد خرج منكم غير واحد، فقتلكم بنو أمية وحرّقوكم بالنار وصلبوكم على جذوع النخل حتى خرجنا عليهم فأدركنا بثأركم إذ لم تدركوه، ورفعنا أقداركم، وأورثناكم أرضهم وديارهم. . ولقد علمت أنه توفى رسول الله صلّى


(١) انظر فى ثورة النفس الزكية الطبرى ٦/ ١٨٣ واليعقوبى ٣/ ١١٠ والمسعودى ٣/ ٢٢١ وابن الطقطقى ص ١٢٠.
(٢) راجع الملل والنحل للشهرستانى (طبع لندن) ص ١١٧.
(٣) العصبة: الذين لا يرثون إلا مما بقى من أصحاب الفروض، يشير إلى أن جده العباس يحجب ابن أخيه على بن أبى طالب.

<<  <  ج: ص:  >  >>