للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتراه ما بين الأسنّة سافرا ... كالبدر دارت حوله الشّهبان (١)

أنت الإمام ومن عداك رعيّة ... أنت المقدّم والورى أعوان

وهو يقول له إنه مفرط الشجاعة حتى إذا صال فى ميادين الحروب وهزّ حسامه سقطت السيوف من أيدى أعدائه هيبة ورهبة، ويمضى الشاعر فى مبالغاته فلو وزّعت هباته وعزماته فى الناس لم يبق بخيل ولا جبان، ويبلغ من نفاذ بصيرته أن يتنبأ بعواقب الأمور وأن تحدث طبق تنبؤه، حتى لكأن تنبؤاته أفكار كهان يبصرون الغيب ويخبرون به، وإن هباته لتعزى إلى الغيث المنهمر، بل أين الغيث منها والطوفان، وقد بلغ من عظم السلطان أن أصبح الزمان يصدر عن أمره ونهيه وأصبحت الإنس تطيع حكمه والجان، وإنه ليخوض الحروب بين السيوف والرماح بوجه مشرق كالبدر تحفّ به النجوم الساطعة، ويقول له إنك الإمام والرعية من حولك أعوان ونصراء. وله فى مديحه موشحة بديعة، يقول فى تضاعيفها:

قابل النور ظلمة الحلك ... بمصباح منير (٢)

ورقا النجم ذروة الفلك ... خائفا مستجير

بأبى عمرو الرضا الملك ... من سعير الهجير (٣)

من روى المجد عن علا عمر ... بطريق الصّحاح

وسرى فى النّهى على قدر ... بمطايا الفلاح

لو رأى البدر وجهه الطّلقا ... لاعتراه السجود

لو رأى الغيث جوده الغدقا ... لاستحى أن يجود

فاق خلقا وقد حوى خلقا ... قارنته السعود

بوّأ الملك رتبة الظّفر ... بعوالى الرّماح

ومحى عزمه دجى الغير ... بصباح الصّفاح (٤)

والموشحة طريفة، وهو يستهلها بوصف الطبيعة وصفا بديعا ويخرج منه إلى مديح أبى عمرو عثمان الحفصى وكأنما يتخذ من نور الفجر رمزا لحكمه الرشيد، وكان الوقت صيفا والقيظ شديد الحرارة، فقال إن النجم علا ذروة الفلك مستجيرا بالسلطان أبى عمرو المحبوب من نار الهجير، ويقول إنه روى مجده عن آبائه المنتسبين إلى عمر بن الخطاب نسبة صحيحة أو بطريق الآثار الصحاح كما يقول، ويمضى فى مبالغاته فلو رأى البدر وجهه المستبشر لخرّ ساجدا ولو رأى الغيث جوده المدرار لعلاه الخجل والاستحياء ونوّه به خلقا وخلقا، ويدعو


(١) الشهبان جمع شهاب: النجم المضيئ والشعلة الساطعة.
(٢) الحلك: سواد الليل
(٣) الهجير: نصف النهار فى القيظ.
(٤) الصفاح: السيوف. الغير: الأحداث.

<<  <  ج: ص:  >  >>