للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يقول إنه إمام اختاره الله لرعيته لأنه أولاهم بحق الخلافة وأهداهم لأوضح حجة دامغة، وإنه ليوزع نعماه وعطاياه على طلاب السلم المطيعين بينما ينزل نقمه على طلاب الفتن العاصين، وإنه ليحمى الشريعة النبوية ويذود عنها بالرماح والسيوف المصمية، وإن دولته لتسمو على كل الدول بالآراء الصائبة والانتصار الساحق، وإنه يصبو دائما إلى بذل المعروف والأعمال الخيّرة كما يصبو المحب إلى وصل محبوبته، ويقول فيه من أخرى:

تملّك رقّ الجود واستخدم الغنى ... فلم يبق عان يشتكى ألم الفقر (١)

إذا ما دعاه العسر يا محيى الوفا ... بدا فدعاه اليسر يا قاتل العسر

روى الفضل أخبار التّقى عن كماله ... كما نمّ عن طيب الرّبى طيّب النّشر (٢)

لقد ذكرت للأوّلين فضائل ... ولكنّ هذا الفضل لم يجر فى ذكر

سخاء يد تروى الجداول ماءها ... عن السّيل عن قطر الغمام عن البحر

ومجد كما تروى الأشعّة نورها ... عن البرق عن زهر النجوم عن البدر

وحسبك يا فرع المكارم والعّلا ... أصول زكت فى روضة المجد والفخر

وهو يصفه بأنه استرقّ الجود وامتلكه وأصبح الغنى أو الثراء له خادما يرسله ويوزعه كيف شاء حتى لم يبق بائس يشتكى ألم البؤس والفقر، ويتخيل أن العسر ناداه يا محيى الوفاء، ولم يكد يبدو ويظهر حتى ناداه اليسر يا قاتل العسر: كناية عن كرمه الفياض، ويقول إن الفضل والتقوى ينمان عن كماله ونبل خلقه وشمائله كما ينم الشّذى العطر عن طيب الرّبى وأزهارها الأرجة، وينوه بفضله ويقول إنه يفوق فضائل الأولين، فلم تنطق الألسنة بفضل يماثله، ويشيد بسخائه وكرمه، ويقول إن مياهه لتغمر أنحاء تونس وكأنما تفيض عن سيل، عن غمام منهمر، عن بحر تتدفق أمواجه، وهى مبالغة شديدة. ومثل ذلك قوله إن مجده كما تروى الأشعة نورها الساطع عن البرق عن النجوم المضيئة عن البدر، ويقول له حسبك الأصول التى نمت فى روضة المجد والفخر الذى ليس مثلهما فخر ولا مجد. وله ينشد فى إحدى مدائحه:

ملك إذا هزّ الحسام بكفّه ... خرّت لبارق رعده الخرصان (٣)

لو فرّقت عزماته وهباته ... فى الناس لم يك باخل وجبان

ويرى العواقب فى صحيفة فكره ... فكأنما أفكاره كهّان

تعزى إلى الغيث السّكوب هباته ... هيهات أين الغيث والطوفان

يصغى الزمان لأمره ولنهيه ... وتطيع الانس لحكمه والجان


(١) عان: بائس فقير.
(٢) النشر: الرائحة الذكية الساطعة.
(٣) الخرصان: السيوف يريد سيوف الأعداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>