والصفقة الرابحة. لذلك لا نعجب أن يتكاثر الزهاد فى البلاد المغربية بالجزائر وغير الجزائر وأن ينعت العديد من الفقهاء والمحدّثين بالزهد فى خيرات الحياة وإيثار التقشف والرضا بالقليل.
وتظل موجة الزهد حادة فى الجزائر، وتتدافع معها موجة تصوف منذ ولاية يزيد بن حاتم المهلبى (١٥٤ - ١٧٠ هـ) وبنائه على الساحل التونسى لرباط المنستير الذى آوى إليه كثرة من العبّاد لحراسة الساحل التونسى، وأخذت تبنى رباطات أخرى على سواحل البلاد لحمايتها من قراصنة أمم البحر المتوسط الأوربية. وكان ينزلها كثير من النسّاك والفقهاء للإسهام فى هذه الحماية قياما بحقوق الدين والوطن، واستحالت هذه الرباطات قرونا إلى دور عبادة ونسك كبرى. ومنذ القرن السادس الهجرى يتخذ بعض النساك لهم فى المدن مراكز يتابعون فيها نسكهم وما قد يلقون من دروس إن كانوا فقهاء أو محدّثين، وسميت هذه المراكز رباطات وزوايا، ويتبرع كثيرون لبعض هذه المراكز، فيتضاعف حجمها ويتضاعف مريدو الشيخ الناسك وقصّاده. وأخذت هذه الزوايا والرباطات تتكاثر مع الزمن لا فى المدن فحسب، بل أيضا فى سفوح الجبال وفى الهضاب والصحارى البعيدة القاحلة.
وكانت الطرق الصوفية قد شاعت فى المشرق على نحو ما هو معروف عن الطريقة القادرية المنسوبة إلى عبد القادر الجيلانى المتوفى ببغداد سنة ٥٦١ هـ/١١٦٥ م والطريقة الرفاعية المنسوبة إلى أحمد بن على الرفاعى العراقى المتوفى سنة ٥٨٧ هـ/١١٨٢ م. وأخذت هاتان الطريقتان تشيعان فى جميع البلاد الإسلامية، وكان أتباع الطريقة القادرية فى الجزائر أكثر عددا. وتصوف الطريقتين جميعا تصوف سنى. وكان يجرى بجانبهما فى المشرق تيار من التصوف الفلسفى الذى يفسح لفكرة الحلول الإلهى فى الكائنات كما يفسح لفكرة الاتحاد الصوفى مع الذات العلية، وهو تيار قديم فى التصوف منذ الحلاج مؤسسة المتوفى سنة ٣٠٩ هـ/٩٢١ م وأخذ أتباع هذا التصوف الفلسفى يتكاثرون فى الأندلس منذ القرن السادس الهجرى على نحو ما بسطنا ذلك فى كتابنا عن الأندلس، وقد تحدثنا هناك عن أبى عبد الله الشوذى الإشبيلى وتلميذه إبراهيم بن دهاق المتوفى سنة ٦١١ هـ/١٢١٤ م كما تحدثنا عن ابن عربى المتوفى سنة ٦٣٨ هـ/١٢٤١ م بدمشق وابن سبعين المتوفى سنة ٦٦٩ هـ/١٢٧١ م بمكة. وهم جميعا من أصحاب التصوف الفلسفى ونزلوا جميعا فى تلمسان، وبها تتلمذ ابن دهاق على أبى عبد الله الشوذى ونزل بها فترة ابن عربى وابن سبعين وتجولا فى بعض مدن الجزائر، ونزلها قبلهم جميعا الصوفى المشهور وبخاصة فى الجزائر أبو مدين شعيب وسنترجم له بين شعراء التصوف وتصوفه فلسفى، وقد استوطن بجاية وتوفى بتلمسان سنة ٥٩٤ هـ/١١٩٧ م.
وهذا التصوف الفلسفى لم تتكون حول أئمته طرق صوفية، فقد ظلت تلك الطرق تخص التصوف السنى وتكونت معها فى القرن السابع الهجرى طريقة صوفية سنية مغربية هى طريقة