للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حجورهم فأرسل إليه زيان بن مردنيش صاحب بلنسية سنة ٦٣٥ هـ‍/١٢٣٧ م وفدا يستنجده لنصرته ضد أعداء الاسلام، كان فيه أبو عبد الله بن الأبار، وأنشده قصيدة فريدة منها قوله:

أدرك بخيلك خيل الله أندلسا ... إن السبيل إلى منجاتها درسا

ولبّاهم بأسطول محمّل بالأغذية والأسلحة، ووقعت فى أيدى النصارى. وقد ابتنى جامع القصبة فى تونس وصومعته ونقش عليها اسمه، وحين تمّت أذّن فيها بنفسه، وأنشأ فى قصره دارا للكتب جمع فيها ستة وثلاثين ألف مجلد فى مختلف العلوم والآداب. وكان عادلا حسن السيرة كما كان فقيها وشاعرا أديبا، وكان يأخذ نفسه بالتقشف والزهد فى متاع الحياة، وجمع للدولة بعدله وسياسته الرشيدة أموالا طائلة، وأخذت تونس (إفريقية التونسية) تستعيد مجدها وشخصيتها القوية أيام الأغالبة والصنهاجيين، ونفقت سوق العلم والأدب وكثر العلماء والشعراء وتوفى أبو زكريا سنة ٦٤٧ هـ‍/١٢٤٩ م.

وخلفه ابنه المستنصر محمد وكان أبوه عنى بتربيته فدبّر أمور الدولة تدبيرا محكما وانتعشت تونس فى عهده. ولما قضى التتار فى بغداد على الخلافة العباسية وقتلوا الخليفة العباسى سنة ٦٥٦ هـ‍/١٢٥٨ م وأصبح المسلمون بدون خلافة وخليفة جاءته فى سنة ٦٥٧ هـ‍ بيعة أمير مكة بالخلافة بإنشاء عبد الحق بن سبعين صوفىّ الأندلس، وكان مجاورا هناك فقرئت على الملأ واحتفل بها احتفالا عظيما، ومن حينئذ تلقب بأمير المؤمنين، وبايعه بنو مرين بفاس. وفى ذى القعدة سنة ٦٦٨ هـ‍/١٢٦٩ م غرّت الأمانىّ لويس التاسع بعد تنكيل مصر به وبحملته المشهورة، فقاد حملة كبيرة هاجم بها تونس برا وبحرا، وحاصرها ستة أشهر، ودفن تحت أسوارها، وعادت الحملة مدحورة إلى البحر المتوسط وما وراءه بعد أن أغرمها المستنصر مالا كثيرا. ومن أعماله الجليلة بناء الحنايا التى كان يجرى عليها الماء إلى مدينة قرطاجة من زغوان فى أيام الرومان وأصلح ما أفسده الزمن منها، ومدّها فى تونس إلى السقايات المختلفة: جامع الزيتونة وغيره، وازدهرت الحياة والحضارة بتونس لعهده ازدهارا عظيما. وتوفى سنة ٦٧٥ هـ‍/١٢٧٦ م وتولّى بعده ابنه يحيى الواثق وكان حسن السيرة غير أن عمه أبا إسحاق إبراهيم ثار عليه سنة ٦٧٨ واستولى على أزمة الحكم، وخرج عليه فى سنة ٦٨١ هـ‍/١٢٨٢ م ثائر يسمى أحمد بن مرزوق المسيلى ادّعى أنه الفضل ابن أمير المؤمنين الواثق بن المستنصر، وتمكن من الاستيلاء على تونس بمساعدة أعراب قابس الهلاليين، وبعد سنة ونصف من حكمه تصدّى له الأمير عمر أخو الواثق وجمع له جموعا سنة ٦٨٣ هـ‍/١٢٨٤ م وقبض عليه وقتله، وتولى شئون الحكم. وسرعان ما خرج عليه بالجزائر ابن عمه يحيى بن إبراهيم واستقل ببجاية وقسنطينة، وتوفى عمر سنة ٦٩٤ هـ‍/١٢٠٤ م وخلفه أبو عصيدة محمد بن الواثق وحاول استرجاع القسم الشرقى فى الجزائر وأخفق، وتوفى سنة ٧٠٩ هـ‍/١٣٠٩ م دون عقب واضطربت

<<  <  ج: ص:  >  >>