الأمور فى تونس، واستطاع أبو يحيى زكريا بن اللحيانى أن يستولى على زمام الأمور سنة ٧١١ هـ/١٣١١ م وكان شيخا كبيرا، فتخلى عن الحكم لابنه أبى ضربة، وحاربه أمير قسنطينة الحفصى أبو بكر سنة ٧١٨ هـ/١٣١٨ م وهزمه وقبض على صولجان الحكم فى تونس وتلقب بالمتوكل على الله، وخرج عليه بعض الأمراء من أسرته وأمدهم بنو زيان أمراء تلمسان من بنى عبد الواد، فأصهر إلى سلطان بنى مرين فى المغرب الأقصى، وهاجم معه ديار هذه الإمارة أو المملكة سنة ٧٢٠ هـ/١٣٢٠ م واقتسماها فيما بينهما. وصفا له الجو حتى وفاته سنة ٧٤٧ هـ/١٣٤٦ م وأخذ يعنى بالحركتين العلمية والأدبية وازدهرت لعهده، كما عنى بشئون الزراعة والصناعة والتجارة، فازدهرت جميعا، ومما يدل على هذا الازدهار ما ذكره المؤرخون من أن عدد دكاكين العطارين وحدهم فى أيامه بلغ فى تونس سبعمائة دكان. وبويع بعده لابنه أبى حفص الثانى، وثار عليه أخوه أبو العباس. وانتهز السلطان المرينى أبو الحسن فرصة هذه الفتن فاتجه فى جيش جرار إلى تونس سنة ٧٤٨ وفتك بسلطانها أبى حفص، واستقام له ملك المغرب الأوسط، والأدنى لمدة سنتين ونصف، غير أنه لم يحسن السياسة مع الأعراب كما كان يحسنها سلاطين تونس فثاروا عليه ونازلوه فى تونس وهزموه، وجاءه الخبر بأن ابنه أبا عنان ثار عليه فى مراكش، فعاد سريعا إلى عاصمته سنة ٧٥٠ هـ/١٣٤٩ م. وعادت تونس للحفصيين، وتولّى زمام الخلافة والحكم الفضل بن أبى بكر الحفصى، ودبّر له الحاجب القديم الشرير ابن تافراجّين مؤامرة قتل فيها، وتولى أخوه أبو إسحاق إبراهيم سنة ٧٥١ هـ/١٣٥٠ م واتخذ ابن تافراجّين حاجبا له، واضطربت عليه الأمور إلى أن توفى ابن تافراجّين سنة ٧٦٦ ولم يلبث أن توفى سنة ٧٧٠ هـ/١٣٦٨ م. واستولى على زمام الأمور فى تونس أبو العباس أحمد الحفصى سنة ٧٧٣ هـ/١٣٧٠ م وهو من خيرة الحكام الحفصيين قمع الأعراب وأهل الفساد، واسترجع ما ضاع من الدولة فى أثناء الفتن مثل المهدية وسوسة وقابس وشط الجريد وجزيرة جربة، وساد الأمن والعدل فازدهرت البلاد. وفى أيامه غزا الجنويون والفرنسيون المهدية فى ثمانين قطعة، ودافعهم عنها جيشه وردهم على أعقابهم خاسرين، وتوفى سنة ٧٩٦ هـ/١٣٠٣ م بعد ما أعاد لتونس ما كان لها من هيبة وقوة.
وخلفه ابنه أبو فارس عبد العزيز، وفيه يقول الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب: «هذا السلطان درة عقد الدولة الحفصية وفخر من مفاخر البلاد التونسية، سار بعدل وتدبير وسياسة، فازدهت إفريقية (التونسية) فى أيامه، وبلغت شأوا بعيدا فى الثروة والعمران». وقد بدأ عهده بإخضاع طرابلس وقابس وقفصة والجريد وبسكرة والصحراء، وكان بنو سليم قد أكثروا من الثورات فقلّم أظفارهم، واستصرخوا سلطان فاس المرينى بالمغرب الأقصى فأرسل لهم جنودا من عنده وانضم إليهم أمير بجابة الحفصى ابن أبى زكريا، واتجهوا بجموعهم إلى تونس سنة ٨١٢ هـ/١٤٠٩ م فهزمهم وقتل الثائر الحفصى، وصمم على الثأر من السلطان المرينى،