للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثقيل ولكن عقله مثل ريشة ... تطير بها الأرواح فى مهمه دوّ (١)

تميل بشدقيه إلى الأرض لحية ... تظنّ بها ماء يفرّغ من دلو

وقد حدّثوا عنه بكلّ نقيصة ... ولكنّ مثلى لا يروّى ولا يروى

وهو تجنّ على هذا القائد الذى كان مشهورا فى قومه بالشجاعة والنجدة، ويبدو أنه بدر منه ما أسخطه عليه، فمضى يصفه بالجبن، وهو برئ منه، وبثقل الروح وخفة العقل وضخم اللحية التى لا تزال تميل بشدقيه السائلين إلى الأرض. وهى مبالغة فى هجاء مقذع كان حريا به أن ينحيه عن مثل هذا الفارس الشجاع. وحين وفد على المستنصر رأى أن يلتقى بالوزير الموحدى أبى سعيد بن جامع، فقصد داره وكان لها بابان، فوقف بأحدهما ينتظر لقاءه، فقيل له إنه خرج من الباب الآخر، فأنشد:

نعوذ بالله من وجد ومن بين ... ومن وقوف على دار ببابين

ومن زيارة أرباب بلا عدد ... لا يملكون حياتى لا ولا حينى (٢)

إنى وجدتهم لما رجوتهم ... كالرّيح تطلبها ما بين كفّين

وكان أبو سعيد بن جامع أديبا وغيثا مدرارا وممدّحا للشعراء، ولكنها نزعة الهجاء فى ابن حزمون إذ جعلته يهجو متسرعا لأول بادرة ممن يستحقون منه المديح والإطراء. وبلغ من تعلقه بهذا الفن أن هجا نفسه، وكأنما أراد أن يقتصّ منها لكل من رماه بسهام هجائه، فقال:

تأمّلت فى المرآة وجهى فخلته ... كوجه عجوز قد أشارت إلى الّلهو

إذا شئت أن تهجو تأمّل خليقتى ... فإنّ بها ما قد أردت من الهجو

كأنّ على الأزرار منى عورة ... تنادى الورى غضّوا ولا تنظروا نحوى

فلو كنت مما تنبت الأرض لم أكن ... من الّرائق الباهى ولا الطيّب الحلو

وفى الحق أنه كانت فى ابن حزمون مرارة كثيرة، وربما كانت هى التى دفعته إلى أن يسلك طريقة إبن حجاج البغدادى الماجنة المفحشة فى كثير من شعره، وكان وشاحا مجيدا ودفعته نزعته الماجنة إلى أن لا يدع موشحة تجرى على ألسنة الناس-كما يقول صاحب المعجب-إلا نظم فى عروضها ورويها موشحة ماجنة مكثرا فيها من الفحش.

وينهى المراكشى حديثه عنه بقوله: «ونال ابن حزمون عند قضاة المغرب وعماله وولاته جاها وثروة خوفا من لسانه» وبعبارة أخرى خوفا من هجائه البذئ المقذع.


(١) الأرواح: الرياح. مهمه: مفازة. دوّ: واسع.
(٢) حينى: هلاكى وموتى.

<<  <  ج: ص:  >  >>