القطف وردا لا ينتهى، ويتلطّف لصاحبة له قائلا:
أيا بدرا بلا كلف ... به دون الورى كلفى
أبن لى درّ ثغرك ما ... بهاء الدّرّ فى الصّدف
وواضح أنه يطلب إليها فى رقة أن تبتسم له، حتى تنفتح له أبواب النعيم على مصاريعها، وعلى مثال هذا التلطف قوله:
قولا لهذا القمر البادى ... مالك إصلاحى وإفسادى
زوّد فؤادا راحلا قبلة ... لابدّ للرّاحل من زاد
فكل مسافر لابد له من زاد، وهو يريد أن يأخذ زادا لروحه: قبلة من محبوبته، تظلّ تغذّى مشاعره، حتى يعود إليها من رحلته الطويلة. ويحاول فى غزله دائما أن يأتى بصور مبتكرة، فجلب كثيرا من الصور الغريبة كقوله:
ليس بى من أذى الفراق اكتئاب ... قد كفتنى عينى جميع اكتئابى
كلما شئت أسبلت دم قلبى ... فأرى فيه صورة الأحباب (١)
فهو لا يكتئب للفراق كغيره من العشاق الذين طالما شكوا منه واكتئبوا، إذ تردّ عينه عنه اكتئابه بدموعها التى تنزف فيها دماء قلبه، تلك التى يرى من خلالها صورة الأحباب، فصورتهم لا تغادر دموعه. وإذا كان المحبون طالما شكوا من طول الليل وظلامه الداجى فإنه يناقضهم قائلا:
ليت أن الليل دامت ظلمه ... فلقد جلّت لدينا نعمه
مثّلت صدغيك لى ظلمته ... وأرت خدّيك عينى أنجمه
فهو يتمثل فى الليل محبوبته، إذ يرى فى ظلمته خصل شعرها المنسدلة على خديها، ويرى خديها فى نجومه المتألقة، وهو بعد فى الوهم والتخيل، وله:
قالوا اشتغل عنهم يوما بغيرهم ... وخادع النفس إن النفس تنخدع
قد صيغ قلبى على مقدار حبّهم ... فما لحبّ سواهم فيه متّسع
وهو ردّ طريف على من يطلبون إليه السّلوى عن بعض أحبابه بحبّ سواهم، فقلبه مشغول دائما بهم وليس فيه مكان لغيرهم. وله معان طريفة كثيرة فى موضوعات الشعر المختلفة، من ذلك قوله فى بخيل:
لو مات لم يأكل الطعام إذا ... ما كان ذاك الطعام من كيسه
ان لم نشاهد دخان مطبخه ... فقد شهدنا دخان تعبيسه
(١) أسبلت: أسالت.